من كتاب (قواعد العشق الأربعون) للمؤلفة أليف شافاق.
«إنه فى القرن الثالث عشر، المفعم بالصراعات الدينية والنزاعات السياسية والعراك على السلطة، عاش جلال الدين الرومى الملقب بـ(مولانا) وصديقه شمس الدين التبريزى. بعد لقائهما تحول الرومى من رجل دين عادى إلى شاعر صوفى وداعية إلى الحب المنافى للصراع على السلطة باسم الأديان وقتها، كما دعا للروحانية العالمية. وبدلا من الدعوة للجهاد الخارجى (الحرب على الكفار)، دعا الرومى إلى الجهاد الداخلى (جهاد النفس)».
فى أول لقاء بينهما جادل التبريزى، كبير القضاة المتسلط قائلا: «إن الشريعة كالشمعة، توفر لنا نوراً لا يقدر بثمن. لكن يجب ألا ننسى أن الشمعة تساعدنا على الانتقال من مكان إلى آخر فى الظلام، وإذا نسينا إلى أين نحن ذاهبون وركزنا على الشمعة فما النفع من ذلك؟».
وحين حذر القاضى التبريزى من أن خطا رفيعا بين أقواله وبين الكفر المحض قص عليه شمس هذه الحكاية:
«فى أحد الأيام كان موسى يسير فى الجبال وحيدا عندما رأى من بعيد راعيا. كان جاثيا على ركبتيه ويداه ممدودتان نحو السماء يصلى. غمرت موسى السعادة، لكنه عندما اقترب دهش وهو يسمع الراعى يصلى.
(يا إلهى الحبيب إنى أحبك أكثر مما تعرف، سأفعل أى شىء من أجلك، فقط قل لى ماذا تريد. حتى لو طلبت منى أن أذبح لأجلك خروفا سمينا فى قطيعى فلن أتردد فى ذلك. أشويه وأضع دهن إليته فى الرز ليصبح طعمه لذيذا.. ثم سأغسل قدميك وأنظف أذنيك وأفليك من القمل. هذا هو مقدار محبتى لك). صاح موسى: (توقف أيها الرجل الجاهل، ماذا تظن نفسك فاعلاً؟ هل تظن أن الله يأكل الرز؟ هل تظن أن له قدمين تغسلهما؟ هذه ليست صلاة. هذا كفر محض).
اعتذر الراعى. ووعد أن يصلى كما الأتقياء. فعلمه موسى الصلاة. ومضى راضيا عن نفسه كل الرضا. وفى تلك الليلة سمع موسى صوتاً. كان صوت الله: (ماذا فعلت يا موسى؟ لقد أنبت الراعى المسكين. ولم تدرك معزتى له. لعله لم يكن يصلى بالطريقة الصحيحة، لكنه مخلص فى قوله، إن قلبه صافٍ ونيته طيبة. إننى راض عنه. قد تكون كلماته لأذنيك بمثابة كفر، لكنها كانت بالنسبة لى كفراً حلواً).
فهم موسى خطأه، وفى الصباح الباكر عاد للجبال ليجد الراعى يصلى لكن بالطريقة التى علمه إياها موسى. ولكى يؤدى الصلاة بالشكل الصحيح كان يتلعثم مفتقداً للعاطفة والحماسة كما كان يفعل سابقاً. ربت موسى على ظهره: (يا صديقى لقد أخطأت، أرجو أن تغفر لى. أرجو أن تصلى كما كنت تصلى من قبل. فقد كانت صلاتك نفيسة وثمينة عند الله). لم يشأ الراعى العودة لصلاته القديمة، ولم يلتزم بالصلاة الرسمية التى علمه إياها موسى. فقد اكتشف طريقة جديدة للتواصل مع الله. وبالرغم من أنه كان راضياً وسعيداً بإيمانه الساذج فقد تجاوز الآن تلك المرحلة، ما بعد كفره الحلو».
ختم التبريزى: «كما ترى لا تحكم على الطريقة التى يتواصل بها الناس مع الله، فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة. الله لا يأخذنا بكلمتنا، بل ينظر إلى أعماق قلوبنا، وليست المناسك أو الطقوس هى التى تجعلنا مؤمنين، بل إن كانت قلوبنا صافية أو لا».
الرواية التى تربط بين الماضى والحاضر ربطا مذهلا لم أنهها بعد، لكن انبهارى بها دفعنى للكتابة عنها، مقتبسة بعضا من أجزائها لأدعوكم للاستمتاع بروعتها. تبدو النزاعات الدينية دوامات من الوحل المتحرك، غرقنا بها منذ أكثر من ألف سنة ولا مجال للخروج منها. ويبقى الحب عند الروحانيين هو الأمل الوحيد.
وعن الحب بين عزيز الصوفى وإيلا اليهودية..
يخبرها عزيز بأن الزمن بتصوره يتمحور حول اللحظة الراهنة وأى شىء سوى اللحظة ليس إلا وهما، لذا لا علاقة للحب بخطط الغد، فلا يمكن للحب إلا أن يكون هنا والآن «أنا صوفى. طفل اللحظة الراهنة».
وترد عليه إيلا العصرية «من الغرابة أن تقول ذلك لامرأة تفكر بالماضى كثيرا وتفكر بالمستقبل أكثر، وبطريقة ما لم تمسها اللحظة الراهنة».
أختتم هذه الاقتباسات بالعبارة الأجمل إلى قلبى، التى كتبها عزيز إلى إيلا بطلة الرواية «أرجو أن يجدك الحب عندما لا تتوقعينه».
وشكراً لمن أهدانى القواعد الأربعين، وأتمنى للجميع بداية البحث عن القاعدة الأولى لتصلوا إلى الأربعين. اقرأوا هذا الكتاب. وأكثروا من الكفر الحلو.