هناك فرق بين نائب عام ثورة، ونائب عام ضيّع نفسه.. هذا هو الفرق بين هشام بركات، وطلعت عبدالله.. طلعت عبدالله جاء بين قامتين.. الأول عبدالمجيد محمود.. الثانى هشام بركات.. «بركات» دخل التاريخ.. «عبدالله» خرج من التاريخ.. النواب العموم على دين رؤسائهم.. «مرسى» أيضاً خرج من السلطة ومن التاريخ.. عام كئيب فى تاريخنا.. «عبدالله» قد يخرج «صلاحية» أو «جنائياً»!
أن يثار حول نائب عام هذا الغبار، فهذه وحدها كارثة.. أن يقال إن هناك أجهزة تنصت فى مكتبه، أو كاميرات مراقبة، فهذه وحدها شبهة، كان على النائب العام أن يتبرأ منها.. الغريب أن النائب العام السابق تصرف كموظف عمومى، وليس كنائب عمومى.. تصرف كتابع لفصيل سياسى، وليس كأمين على الدعوى العمومية.. صحيح أن «مرسى» هو من اختاره، لكنه ظل يدفع الفاتورة!
«مرسى» هو من اختار «السيسى» أيضاً.. لكن «السيسى» اختار ولاءه للوطن.. الولاء ليس للرئيس.. بعض المخابيل تصوروا أن «السيسى» خان.. تصوروا أنه ينبغى أن يسدد الفاتورة، ويدفع الضريبة، ولو على حساب الوطن.. طلعت عبدالله لم يتصرف مثل «السيسى».. ظل ولاؤه للرئيس الذى اختاره، والجماعة التى تحكم.. اختار أن يكون نائباً خاصاً، يجلس على كرسى النائب العام!
أصعب شىء أن ترفضك الجماعة التى تنتمى إليها.. طلعت عبدالله عاش هذه اللحظة العصيبة، حين قرر أن يعود إلى المنصة.. رفضته المحاكم مع أنه كان النائب العام.. ضع تحت هذه القصة ألف خط.. ضع بعدها ألف علامة تعجب.. ضع ما شئت من علامات الاستفهام.. عبدالمجيد محمود بمجرد أن كتب طلبه وجد الموافقة.. هذا هو الفارق بين قاضيين.. كلاهما شغل منصب النائب العام!
فى تاريخ القضاء، سيكون طلعت عبدالله، أول نائب عام، يقال له نائب خاص.. أول نائب عام يعود للمنصة ولا تقبله.. أول نائب عام ربما يحال إلى الصلاحية.. أول نائب عام يحاكم فى قضية، تتعلق بالشرف المهنى.. ماذا تبقى للقاضى بعد هذا؟.. ماذا تبقى له من ثقة واعتبار؟.. ماذا تبقى له كى يجلس على منصة العدل؟.. كيف يتصرف لو اختصمه أى محامٍ؟.. كيف يواصل مهمته السامية؟!
لو صحت جريمة «التنصت» يصبح اسمه وسمعته محل شك.. اللافت أن هذه الجريمة تأتى فى سياق وجود أجهزة تنصت مماثلة فى مؤسسة الرئاسة.. قيل إن هناك مثلها فى المحكمة الدستورية العليا.. معناه أن طلعت عبدالله كان يعمل فى إطار حكم عصابة، لا حكم دولة.. عليه الآن عبء إثبات أنه برىء.. عليه أن ينظف ساحته من هذه الاتهامات.. أن ينفض عن نفسه الغبار!
لا «مرسى» نفع طلعت عبدالله، ولا نفعه الشاطر.. لا نفعه «بديع» ولا «العريان».. الاتهامات تضعه تحت «سيف الصلاحية».. الصلاحية هى شرف القاضى.. يحتاجها كنائب عام، ويحتاجها على المنصة، ويحتاجها كمحامٍ أيضاً.. «عبدالله» لا يختلف عن «مرسى».. كلاهما تمسك بالكرسى، والدنيا تنهار من تحته للأسف!