التجارب كثيرة، محزنة ومؤلمة وموجعة.. لكن البعض منا لا يقرأون التاريخ، وإذا قرأوا لا يتوقفون عند دروسه وعبره.. المشكلة أيضا أننا ننسى كثيراً، أو نتناسى عن عمد ما نرغب فى نسيانه لمصلحة أو هوى.. مثلاً، هل يمكن أن ننسى ما فعلته الإدارة الأمريكية فى حربى الخليج الأولى والثانية؟ أو ما فعلته عندما غزت أفغانستان واحتلت العراق؟ هل ننسى ما فعله ولايزال يفعله العدو الصهيونى على أرض فلسطين؟ مع ذلك، وجدنا من يعقد مع لصوص الأوطان اتفاقات أو صفقات.. لقد رأينا قيادات الإخوان الحالية لا تقرأ وقائع التاريخ، ولا تنصت للناصحين والمحذرين.. حادوا عما قلناه طيلة عقود، إن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن يطمأن إليها، فهى تكذب كما تتنفس، وتنقض اليوم ما أبرمته بالأمس، و«المتغطى بها عريان»، وأهدافها فى تفتيت المنطقة وتركيع الأمة، فضلاً عن دعمها وتأييدها الكامل والمطلق للعدو الصهيونى، معروف ومعلوم.. بالرغم من ذلك، وجدنا تلك القيادات تمد جسور الصلة مع الإدارة الأمريكية، حتى يصلوا إلى الحكم.. وفود تأتى ووفود تذهب، ولقاءات تعقد.
بعد أن وصل الإخوان إلى سدة الحكم، ظهر ما كان خافياً.. إنه أمن وأمان العدو الصهيونى.. ضمان أحلامه فى التوسع وضياع حق العودة إلى الوطن السليب.. رأينا كيف التزم الإخوان الصمت تماماً حينما أعلن أوباما منذ أشهر قليلة أن القدس عاصمة أبدية «لإسرائيل»(!!)..ومن قبل، ذلك الخطاب «الفضيحة» الذى أرسله مرسى إلى السفاح شيمون بيريز، صديقه الوفى، يتمنى له فيه الرغد «لبلاده»(!!)..وتم تشييع الهتاف الشهير «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين» إلى مثواه الأخير.. وتركت سيناء مرتعاً لتنظيمات العنف والخطف والقتل لجنودنا وضباطنا، وغلت - إلى حين - أيدى قواتنا المسلحة.. وفى ختام عام من الفشل والضياع والإهانة، قامت ثورة ٣٠ يونيو من أجل الحرية والعدالتين، الاجتماعية والانتقالية، والاستقلال الوطنى.
عندما تم عزل الإخوان عن سدة الحكم فى ٣ يوليو، قامت قيامة لصوص الأوطان.. كأن زلزالاً وقع وكارثة حلت.. لم يكن ذلك من أجل سواد العيون ولا عشقاً لذوات الإخوان، فهؤلاء لا يعرفون لغة العواطف.. ولا حتى من أجل الديمقراطية، لأن موقفهم منها معروف ولا يحتاج إلى شرح أو بيان.. القضية هى آمال وطموحات المشروع الأمريكى/ الصهيونى فى مصر والمنطقة، التى أطاحت بها ثورة ٣٠ يونيو.. هذا هو سبب موقف لصوص الأوطان تجاه الثورة من ناحية، وتجاه الجيش المصرى من ناحية ثانية.. لا عجب إذن أن يهلل هؤلاء اللصوص لثورة ٢٥ يناير، ثم يقفون موقفاً سلبياً- أو متردداً- إزاء ثورة ٣٠ يونيو، رغم أن الشعب الذى صنع الثورة الأولى هو نفسه الذى صنع الثانية، وإن كان بشكل أعظم.
وطالما أطيح بالآمال والطموحات، فلا بأس من محاولات أخيرة، من باب «لعل وعسى».. محاولات إضعاف وإنهاك الجيش المصرى والتحريض عليه، نشر الفوضى، القيام بأعمال قتل وعنف وتخريب، وإيقاظ صراعات مذهبية وطائفية.. الغريب أن الإخوان ومن ناصرهم - تحت تأثير صدمة ضياع السلطة - مضوا فى تنفيذ هذا المخطط وهم غير مدركين أنهم سيفشلون لا محالة، وأنهم يحفرون قبورهم بأيديهم.
من المؤكد أننا لسنا سعداء بالدماء التى نزفت.. كان من الممكن أن نحافظ عليها، فضلاً عن تقليص حجم البغض والكراهية تجاه «التيار الإسلامى».. لكن ماذا نصنع مع قيادات كان حظها من الغرور والغباء والحمق عظيماً؟.. إن حرمة الأوطان ليست محلاً للعبث أو التهاون، وليست مجالاً لمساومة، فإما أن نكون معها أو ضدها، فإن كانت الأولى فهى السيادة والسعادة، وإن كانت الثانية فهى الخزى والندامة فى الدنيا والآخرة.. لا أستطيع أن أنسى فرحة بعض الإخوان عندما سمعوا خبراً زائفاً عن وصول بوارج أمريكية إلى شواطئنا، ولا ذلك الهتاف المشين «يوم الجمعة العصر.. أمريكا حتدخل مصر»، مما يعنى أن فكرة الدولة والوطن عند هؤلاء تحتاج إلى مراجعة شديدة.. قلوبنا مع القوات المسلحة وهى تمضى فى طريقها نحو تطهير سيناء من بؤر التكفير والعنف والإرهاب، وبسط سيادة الدولة.. وإذا كانت قوات الأمن ماضية هى الأخرى فى ملاحقة من رفعوا السلاح وحرضوا على العنف، فنرجو أن يكون هذا تأكيداً وتعزيزاً لدولة سيادة القانون.