تتناثر أخبار هذه الأيام عن قرب إجراء تغييرات فى قيادات الصحف الحالية، دون أن يقال لنا شىء، عمن بالضبط سوف يقوم بهذه التغييرات، ولا عن الأساس الذى سوف تجرى عليه!
فمجلس الشورى كان فى الظروف العادية هو الذى يقر مسألة الذهاب بأى قيادة صحفية، والمجىء بأخرى فى مكانها، ولكنه، الآن، غير موجود كمجلس، بل إن هناك كلاماً عن إلغائه أساساً فى تعديلات الدستور التى تتم حالياً، ليبقى السؤال قائماً عن طبيعة أو شكل الجهة التى سوف تنوب عن «الشورى» فى القيام بدوره القديم.
وفى زمن ما بعد 25 يناير 2011، كان المجلس العسكرى الحاكم وقتها قد قذف بالمسؤولية عن ملف الصحافة كاملاً إلى نائب رئيس الوزراء وقتها، وهو الشىء غير الحاصل الآن، رغم وجود أكثر من نائب لرئيس الحكومة!
وفى كل الأحوال، فإن الشىء الذى لا نريد أن نفهمه، كحكومة، أن إحلال شخص مكان شخص آخر فى أى مؤسسة صحفية لن يحل مشكلة مؤسساتنا، لأننا، والحال هكذا، سوف نغير الشكل ليبقى المضمون كما هو على حاله!
وفى زمن «مرسى» الأسود، لم يختلف الأمر عما كان عليه من قبل، واكتشفنا أن كل ما فعله الإخوان العاجزون، الذين صدعوا رؤوسنا أيام مبارك بضرورة إصلاح حال مؤسساتنا الصحفية من جذوره، أنهم بدلوا أشخاصاً بأشخاص آخرين، ولم يفعلوا أى شىء آخر، وكانت النتيجة أن أوضاع هذه المؤسسات فى أغلبها قد زادت انحداراً!
ولابد أن العقلاء فى البلد، وفى تلك المؤسسات، يعلمون تماماً، أن أول خطوة نحو الإصلاح هناك، هى أن يتبدل حال مؤسسات الصحافة القومية، من حيث طبيعة مالكها، لأن بقاءها مملوكة للدولة، كما كانت قديماً معناه بشكل مباشر، أو غير مباشر أن كل مؤسسة صحفية منها سوف تتحدث بلسان مالكها، وليس بلسان الشعب الذى من المفترض فيه أنه مالكها الحقيقى، وهو ما نكتشف عند الممارسة العملية، أنه مالك صورى لا أكثر، وليس مالكاً حقيقياً.
ألف باء التغيير الحقيقى فى أى دولة هو أن تغير فى السياسات المتبعة، وليس مجرد الأشخاص.. صحيح أنك لابد أن تذهب بشخص رئيس الحكومة ـ مثلاً ـ وتأتى بآخر فى مكانه، ولكن إذا لم يكن مجىء هذا الشخص الجديد إلى كرسيه مقترناً بسياسة جديدة تم وضعها، وبرؤية مختلفة تم الاستقرار عليها، فأنت فى حقيقة الأمر لم تغير شيئاً، وإنما أنت تظل أقرب ما تكون إلى من أعاد طلاء بيت تتداعى أركانه، دون أن يفعل ما يسند هذه الأركان، ويدعمها، ويثبتها فى مكانها!
ولهذا كله، فإن التغيير الجديد فى المؤسسات الصحفية القومية، إذا لم يكن سوف يراعى ذلك، بكل صدق وأمانة، فعدم إجرائه أفضل، ولابد أن الخطوة الأولى فى هذا الملف إجمالاً، هى إصلاح الوضع المالى فى كل مؤسسة وفى كل صحيفة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، والتأكد من طبيعة كل جنيه يدخلها، من حيث شهادة ميلاده، ومساره وهدفه، لأنك تتكلم عن أموال تصنع وجداناً للمصريين، ولابد إذن أن نعرف من يخاطب من؟!
لابد ونحن نبدأ مساراً جديداً، بعد ثورة 30 يونيو، أن نكون على ثقة من أصل المال الذى يساهم فى تشكيل أهم ما فى المواطن المصرى.. إنه يشكل عقله!