لم يعُد مفهوما الإحجام عن حل أو حظر جماعة الإخوان المسلمين فى مصر من قبل السلطة الآن، فكيف لهذه الدولة التى تخوض حربا أعلنتها على الإرهاب معنونة فى كيان وتسمع مواطنيها فى كل المحطات الإذاعية فى الراديو أغانى وطنية طوال اليوم لكل من هب و دب وغنى لمصر فضلا عن مقطع الشيخ الشعراوى ولوجو الحرب على الإرهاب المثبت فى أعلى الشاشات التليفزيونية وسيل اللواءات المطل على المصريين بما يناسب طبعا فترة الحرب، وفى غمرة كل هذا لا يتم اتخاذ هذا القرار الذى يبدو فى بديهيته أنه قد اتخذ فعلا، فهذه الجماعة غير القانونية والتى حظرها الشعب المصرى بإرادته فى 30 يونيو، كما حظر الحزب الوطنى فى 25 يناير، وقد تم حله تماشيا مع إرادته، ومازالت إرادته معطلة فى حظر الإخوان المسلمين رسميا، لأنه ببساطة يعلم أن الأسى الذى وصلنا له مع الإخوان المسلمين جاء بسبب المساحة غير القانونية التى أعطاها لها نظام حسنى مبارك، يعقد معها الصفقات تارة ويستخدمها كفزاعة للمصريين والغرب تارة أخرى، حتى تغولت وتضخمت وصارت إلى ما صارت إليه كجماعة مفسدة لكل وأى مسار ديمقراطى.
حل الجماعة أو حظرها ليس أمرا تافها ولا عابرا يمكن التغاضى عنه، ولكنه جوهرى فى اتضاح رؤية بناء المرحلة القادمة التى تؤسس لها السلطة الحالية، كما هو الحال فى شكل الدستور وتثبيت دعائم الدولة المدنية والعادلة أم لا، تثبيت دعائم دولة الحريات أم لا، تثبيت دعائم دولة العدل الاجتماعى أم لا.
على أى أرضية نكتب الدستور الجديد ونعتمد نظاما انتخابيا معينا وندير التفاهمات السياسية، ما هى الأرضية التى التقى على أساسها أحمد المسلمانى، المستشار الإعلامى للرئيس، بحزب النور السلفى الذى صرح فى اللقاء بأنه من حق كل فصيل فى المجتمع- يعنى التيارات الإسلامية- أن يكون له ذراع سياسية يعبر عنها، فهل نفهم من ذلك أن الدولة فى مصر الآن ليس لديها مانع من استمرار عمل الأحزاب على أساس دينى وأنها تضحك على عقولنا بكلامها عن أننا فى مرحلة تأسيس لدولة جديدة، وجدير بالذكر هنا أننى كمواطن مصرى أريد أن أعرف اختصاصات المستشار الإعلامى والمستشار السياسى للرئيس، لأن الأمر قد اختلط على، يؤدى أحدهما كثيرا دور الآخر ولا نعلم حتى هل هناك تنسيق بينها على لعب هذه الأدوار أم أننا أمام فوضى تفضى إلى فوضى.
تبنت الحكومة- التى يتولى الفريق السيسى منصب النائب الأول لرئيس الوزراء فيها- مبادرة الدكتور زياد بهاء الدين، الذى سبه ولعنه الكثيرون فى بداية إعلانه المبادرة، وهى تتحدث فى مضمونها على دعم المسار الديمقراطى وحفظ الحقوق والمصالحة مع من لم يتورط فى جرائم، ولا يخرج علينا أحد حتى الآن يشرح لنا كيف ستتم تلك المصالحة التى تعارك الناس عليها بتخوين وترهيب وتشويه أصبحت من سمات حياتنا بين الداعين للمصالحة والرافضين لها، وأظنها من الخناقات التى يقتل الناس بها الوقت أثناء الحظر، لأنه وببساطة الطرف اللى عليه العين والنية فى موضوع المصالحة فى السجن أو مطلوب وهربان، فماذا تعنى الكلمة إذن، نريد شرحا يا ناس، هل المصالحة مع فكرة الإخوان المسملين مثلا- ولهذا لا ترغب الحكومة فى حظر الجماعة؟ أم المصالحة مع من يقبل بمسار 30 يونيو من قوى الإسلام السياسى، مع التغاضى عن كونه حزبا على أساس دينى، يعنى دى قصاد دى؟ طيب وماذا عن الرافضين لرحيل الإخوان ولخريطة الطريق الموضوعة ويدعون للتظاهر من هذا التيار- وليسوا من الإخوان- مثل حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، الذى كان أمينه العام- أمس الأول الخميس - فى المؤتمر الصحفى للدعوة لتظاهرات أمس؟ سنتصالح مع من وعلى ماذا بالضبط، نريد أن نفهم وما هى التنازلات التى ستقدمها السلطة الآن وإلى أى درجة، وهل سيُرى برنامج للعدالة الانتقالية فى مصر النور أم لا، إن كنا فى لحظة تأسيس كما قال الدكتور مصطفى حجازى فأريد أن أخبره أن معالم الطريق ليست واضحة، وأن مرحلة التأسيس لا يمكن اختزالها فى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وكتابة الدستور.