لا أحد يعرف من هى قيادات القوات المسلحة التى قال القيادى البارز فى تنظيم الجماعة الإسلامية «عبود الزمر»، فى تصريح نشرته له أمس جريدة «الحياة» اللندنية، إنه على تواصل معها من أجل البحث عن حل سياسى لما سماه الأزمة الراهنة فى مصر، لكنى لا أستبعد ذلك، إذ الذى لا شك فيه أن هناك محاولات تقدمها أطراف مختلفة، ينتمى بعضها إلى ما يسمى «تحالف دعم الشرعية» الذى قاد اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، وكان «الزمر» وجماعته من أبرز فصائله، وينتمى البعض الآخر إلى فصائل أخرى من تيار الإسلام السياسى، للتوصل إلى حل سياسى ينهى الأوضاع الطارئة القائمة فى مصر الآن، ومن البديهى أن يسعى هؤلاء لعرض ما لديهم من أفكار ومبادرات على أطراف فى الإدارة الحالية، فتستمع إليها وتنقلها إلى من يعنيهم الأمر، انطلاقاً من أن إتمام المصالحة الوطنية هو أحد بنود خارطة المستقبل التى تلتزم بها هذه الإدارة.
وطبقاً لما قاله «الزمر»، وهو مقدم سابق بالمخابرات الحربية، شارك فى التخطيط لعملية اغتيال الرئيس السادات عام 1981 كخطوة للإعلان عن إقامة خلافة إسلامية فى مصر، فإن الجماعة الإسلامية تجرى مشاورات مع الأطراف الأخرى فى تحالف رابعة العدوية، لطرح مبادرة من أربع مراحل تبدأ بمرحلة تهدئة لا تسيل فيها دماء ولا تحدث أى اعتداءات، وتمهد الطريق فى المرحلة الرابعة إلى التوصل إلى حل أساسه التوازن بين الجيش المصرى وميليشيات تحالف رابعة العدوية، يقدم كل طرف فيها تنازلات.
وتلتزم الدولة المصرية فى مرحلة التهدئة بإلغاء حالة الطوارئ، وعدم توجيه اتهامات مطاطة، مثل تهمة التحريض على العنف، إلى قيادات جماعة الإخوان التى لم تمارس العنف، وعدم التوسع فى الملاحقات وعدم اعتقال النساء، ووقف التحريض الإعلامى على الإسلاميين، بينما يلتزم تحالف رابعة العدوية بسلمية المظاهرات التى ينظمها، بحيث لا ترفع السلاح أو تسير فى أماكن تضم منشآت تابعة للجيش أو الشرطة أو كنائس، وألا تقطع الطرق أو تحاصر المنشآت أو تتحول إلى اعتصامات.
فى المرحلة الثانية من مبادرة عبود الزمر ينتقل الطرفان الجيش المصرى وجيش رابعة العدوية، وفى القلب منه جماعة الإخوان المسلمين، إلى مرحلة التفاوض المباشر بينهما على أساس خارطة الطريق التى يقبلها جيش رابعة، لأنها كما يقول المشير عبود الزمر تتضمن استحقاقات انتخابية لا يمكن رفضها أو الاختلاف معها، لكن المطلوب هو التفاوض حول مدخل تطبيقها، ليستند، كما يرى الإخوان، إلى الشرعية الدستورية وإلى نصوص دستور 2012 المعطل، فإذا نجحت هذه المفاوضات، انتقل الطرفان إلى المرحلة الثانية وهى إعلان المصالحة.. ثم إلى المرحلة الرابعة وهى تطبيق الإجراءات التى تم الاتفاق عليها.
ما يلفت النظر هو أن المشير «عبود الزمر» يسلم بأن التمسك بالشرعية لا يعنى بالضرورة عودة الرئيس السابق محمد مرسى إلى منصبه، ويذهب إلى أن فكرة عودته إلى سدة الرئاسة فكرة غير قابلة للتنفيذ، لأنه لم يستطع أن يقود الدولة، وبعض مؤسساتها ضده، ولن يستطيع أن يقودها وقد أصبحت كل المؤسسات ضده، وهى حقيقة لو تأملها المشير «الزمر» لأدرك أن مبادرته الأخرى غير قابلة للتنفيذ، لأنها تنطلق من تصور خاطئ بأن مشكلة مصر تكمن فى الصراع بين جيشين هما الجيش المصرى وجيش رابعة العدوية، فى حين أن المشكلة تكمن، كما اعترف هو نفسه فى النهاية، فى الصراع بين الإخوان وكل مؤسسات الدولة، وبين الشعب المصرى بكل فصائله ومؤسساته، وجيش رابعة العدوية.. وهو ما تجاهله تماماً، وكأن الشعب لم يكن موجوداً فى ساحة الصراع منذ البداية، وكأن عشرات الملايين الذين خرجوا فى 30 يونيو يطالبون بإسقاط حكم المرشد ليسوا هم الذين حسموا المعركة لصالحهم.. أولاً.
أما المؤكد فهو أن توهم المشير الزمر بأن هناك إمكانية لكى يتفاوض الجيش المصرى مع سعادته، باعتباره قائداً لجيش رابعة العدوية، بعيداً عن هؤلاء جميعاً، أو على عكس إرادتهم، أمر غير وارد، خاصة أنه قائد لفلول جيش مهزوم من الفوضويين والإرهابيين، يمثل حكماً أسقطه الشعب بإرادته، ولن يعود إلى السلطة إلا بعد أن يفيق من أوهامه، ويعترف بأخطائه ويحاسب على جرائمه، ويتخذ لحركته السياسية مساراً مختلفاً عن المسار الذى دفع الشعب للثورة عليه وإسقاطه.
أما المؤكد - ثانياً - فهو أن ما يعرضه المشير الزمر ليس بنود مبادرة للمصالحة الوطنية، ولكنه عناصر لخطاب تهديد كالخطابات التى كانت تلقى من فوق منصة جيش رابعة العدوية، يسعى لتخيير المصريين بين إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 30 يونيو ومواصلة العنف والإرهاب، إذ لو لم يكن كذلك، لبادر سيادة المشير بفض اعتصام كرداسة، الذى يجرى تحت إشرافه، قبل أن يعلن مبادرته.. أو بمعنى أدق تهديده!