ماهى استراتيجية وأهداف الإخوان المسلمي،ن بعد شهرين من عزل رئيسهم السابق الدكتور محمد مرسى، وبعد كل هذه التطورات التى شهدتها البلاد خلالهما؟ من الواضح أن هناك حالة شديدة من الارتباك تسود صفوف الجماعة، سواء كانت قياداتها أو قواعدها، وهى تظهر جلية فى تبنيها خطاباً علنياً يبدو متناقضاً للغاية مع السلوكيات والتحركات التى تقوم بها الجماعة. فالخطاب العلنى الذى لايزال من تبقى من قيادات الجماعة يتبناه، ويصدره إلى قواعدها والرأى العام المصرى والخارجى عبر قناتها الرسمية الجزيرة، هو نفسه الذى كان يتردد على منصتى رابعة العدوية ونهضة مصر، وهو الرفض الكامل لما تسميه «الانقلاب العسكرى الدموى»، والإصرار على عودة «الشرعية»، بحسب مصطلحهم، والممثلة فى رئيسهم المعزول. أما السلوكيات والتحركات، فإن العلنى منها- وتمثله المظاهرات والوقفات الاحتجاجية القليلة والصغيرة التى تركز الجزيرة عليها وتعيد بث بعضها فى غير موعدها الحقيقى- فهى تعكس مباشرة الخطاب العلنى الرسمى للجماعة السابق الإشارة إليه وتعكسه فى لافتات وشعارات وهتافات للمشاركين فيها.
أما الخطاب الآخر للجماعة غير العلنى فهو يختلف جذرياً عن الخطاب السابق ويتجه فى مسارين متوازيين: الأول هو الخارجى، وبصفة خاصة نحو الحكومات والأنظمة الغربية عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة، والثانى إلى النظام الحاكم حالياً فى مصر بمختلف مكوناته السياسية والعسكرية والأمنية. ويدور مضمون هذا الخطاب بصورة واضحة حول عدة نقاط محددة: الأولى هى إسقاط عودة الرئيس المعزول من أى مطالبة للإخوان، والاكتفاء باقتراحات مترددة حول كيفية إخراجه من المشهد بما يحفظ له وللجماعة ماء الوجه. الثانية هى الإفراج عن قيادات الجماعة العليا والوسطى بحجة أنهم معتقلون سياسياً، بمن فى ذلك المتورطون منهم فى جرائم جنائية، وإن كانت هناك بعض الأطروحات فى خطاب الجماعة السرى بإمكانية التضحية بهؤلاء الأخيرين. الثالثة هى رفع الحظر والتجميد القانونى المفروضين على بعض أموال وأصول الجماعة الاقتصادية والتجارية. الرابعة هى الاتفاق على عودة الجماعة وحزبها، الحرية والعدالة، إلى الحياة السياسية ومشاركتها فى الخطوات السياسية القادمة، بما فيها تعديل الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهم يبررون هذا بأن هذه الخطوات- عدا الانتخابات الرئاسية- كانت ضمن خريطة الطريق التى أعلنها الرئيس المعزول فى خطابه الأخير.
وبين هذين الخطابين العلنى والسرى تبدو التحركات العملية للجماعة مفهومة، على الرغم من التناقض الظاهرى الذى يبدو بينهما. فالجماعة بحسب خطابها السرى تظهر استعدادها، بل رغبتها، فى التفاوض مع من تصفهم بسلطة الانقلاب العسكرى سواء مباشرة أو عبر وسطاء، وهى تستخدم خطابها العلنى المتشدد فى حشد وتعبئة أعضائها وأنصارها للقيام بمظاهرات واحتجاجات، تكون بمثابة وسيلة الضغط على من ترغب أو تقوم بالتفاوض معهم، لتحسين شروطها حول النقاط والمطالب التى يضمها خطابها السرى.
ما جاء فى السطور السابقة ليس استنتاجاً ولا تحليلاً قائماً على التأمل والاستنباط، بل هو تجميع لوقائع وشواهد وبعض المعلومات، وكلها يقترب من درجة اليقين، وعلى معظمه شهود أحياء وشهادات موثقة. الإخوان يتعاملون اليوم مع الموقف فى البلاد بعد شهرين من عزل رئيسهم بمنطق عملى نفعى سياسى خالص، ليس له أى علاقة بخطابهم العلنى ولا بتصويرهم الصراع الدائر باعتباره بين «الإسلام» والخارجين عليه والمحاربين له، فهم يبحثون عن الجماعة وليس العقيدة، وهم يحرصون على قياداتها وأموالها وليس الشريعة، وهم يبحثون عن مكانها فى المستقبل السياسى للبلاد وليس إقامة الدولة الإسلامية، الجماعة فى جملة واحدة تسعى لإنقاذ نفسها وليس إنقاذ الإسلام.