فى البداية أعترف بأننى أخطأت فى حق الزعيم التركى. كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن مشهد أردوجان حين كفكف دموعه تأثراً برثاء القيادى الإخوانى محمد البلتاجى لابنته، التى لقيت حتفها أثناء فض اعتصام رابعة، وشبهت ذلك بمشهد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عندما هطلت دمعتان من إحدى عينيه أثناء إعلان فوزه بالرئاسة فى مارس 2012، وهو ما أصبح بعدها مادة للتندر لدى معارضيه، الذين اعتبروا أن قيصر الكرملين يمتلك عيناً عاطفية حنونة، وأخرى قاسية القلب!. أردت القول إن الدموع فى المشهدين كانت كاذبة، باعتبار أن الزعيمين بارعان فى توظيف أى مناسبة لكسب نقاط سياسية!.
ربما كنت غير منصف فى مقارنتى تلك، وأيضا عندما استدعيت من الذاكرة بعض الحوادث أولاها: مقتل المدرس المتقاعد «متين لوكومجو» الذى لقى حتفه اختناقاً جراء قنابل غاز فى مظاهرة ضد أردوجان قبل الانتخابات البرلمانية عام2011، حينها سأل صحفى جرىء رئيس الوزراء التركى: هل تشعر بالندم، لأنك أمرت شرطتك باستخدام الغاز فى ذلك اليوم؟ فرد أردوجان: ما كان يليق بمدرس أن يخرج فى مظاهرة، وعبثاً حاول الصحفى أن ينتزع من الزعيم التركى عبارة «الله يرحمه» دون جدوى، إذ لم يكن المدرس من الأهل والعشيرة!.
وثانيتها: أن عينى أردوجان لم تعرفا الدموع على مقتل تسعة مواطنين أتراك برصاص جنود الكوماندوز الإسرائيلى، الذين اقتحموا سفينة مرمرة التركية فى البحر المتوسط عام 2010، مما خلف قطيعة دبلوماسية مع تل أبيب، وضع لها النهاية الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وشدد أردوجان بعدها فى اتصال هاتفى مع نظيره الإسرائيلى على الطابع الاستراتيجى لعلاقات الصداقة والتعاون القوية الممتدة لقرون بين الأمتين التركية واليهودية!. تساءلت على حسابى فى تويتر: لماذا عاندت الدموع رئيس الحكومة التركية، حين قتل الإسرائيليون تسعة من رعاياه، وعندما قتلت شرطته أربعة متظاهرين، وأصابت ثمانية آخرين بالعمى فى ساحة تقسيم الخالية تماماً من أى مظاهر مسلحة؟!.
ويبدو أنى لم أشعر بإسرافى فى التحامل على الزعيم التركى، إلا عندما أغرق مريدوه ودراويشه من المصريين والعرب حسابى على تويتر بشتى أنواع الشتائم!. لا بأس إذن من التمتع بفضيلة الرجوع إلى الحق والإقرار بأن الدموع الأردوجانية التى رأيناها أخيراً كانت حقيقية وصادقة مائة فى المائة، لكن التساؤل الأهم: هل كان «الطيب» يبكى حزناً على رحيل ابنة البلتاجى أم على سقوط مشروع الخلافة الإخوانية؟!. فى سبيل الحصول على جواب نهائى استعنت بصديق تركى، تستهويه ملاحقة دموع الزعيم، وتحليل الظروف التى تهطل فيها. أرسل لى جدولاً يوضح عدداً من المرات التى بكى فيها أردوجان، ويكشف بجلاء أن كل مرة سبقت استحقاقاً انتخابياً، أو أزمة سياسية!.
لاشك أن قرار غالبية الشعب المصرى عزل ممثل جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى من الرئاسة أربك أردوجان، للدرجة التى أصبح معها الزعيم التركى مصدراً للفكاهة السياسية والشعبية معاً. إن كان مزاجك غير رائق اكتب فى محرك البحث جوجل: «أردوجان + مرسى» وعش وقتاً ممتعاً فى مطالعة تصريحات ترسم على وجهك ابتسامة بحد أدنى!. قد تتخطى مرحلة الابتسام إلى الضحك حين تطالع مقارنة أردوجان حليفه مرسى مع نبى الله موسى، وبالتأكيد ستتذكر أنصار الإخوان حين جعلوا مرسيهم فى منزلة نبى آخر، هو يوسف عليهما السلام، أو عندما بشروا بأن سيدنا جبريل سيهبط من السماء ليصلى التراويح مع المعتصمين فى رابعة!.
ربما تضرب كفاً بكف وتعتبر أن أردوجان «بجلالة قدره» لا يختلف عن هؤلاء الذين تدعو لهم بالشفاء. فقط لا تتسرع، فالواقع يقول إن ارتباك الرجل بدأ فى التحول تدريجياً إلى هستيريا كتلك التى ضربت أدمغة أيتام الإخوان العرب، مع ملاحظة أن هستيريا الزعماء تزيد حدتها عند شعورهم بالخطر، وهو ما يعيشه أردوجان اليوم، بعد أن أضاع المصريون حلمه فى عودة بلادهم جزءاً من خلافة عثمانية بعمامة إخوانية!. يؤكد لى أصدقائى الأتراك أن وسائل الإعلام الرسمية تقود حملة عدائية ضد المصريين «عدا الإخوان» والخليجيين «عدا القطريين»، كما يؤكدون أيضاً أن دموع «الطيب» ستسيل من جديد، مع اقتراب الانتخابات البلدية وزيادة الضرائب وغلاء الأسعار وتراجع سعر الليرة، وقبل كل شىء بسبب تداعيات المشهد السورى، فهل لدى أردوجان ما يكفى من مناديل؟!.