للعالم الكبير ابن عطاء الله السكندرى حِكَم كثيرة كلها ترتبط بحياة الإنسان وشؤونه وشجونه، من هذه الحكم الحكمة التى قال فيها «ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يحدث فى الوقت غير ما أظهره الله»، فالعجلة غريزة عند كل البشر منذ بدء الخليقة، ويقول الله تعالى «خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَل سَأُريكُمْ آياتى فَلا تَسْتَعْجلونِ»، والإنسان الجاهل هو من أراد أن يحدث فى الوقت غير ما أظهره الله، أو أراده الله.. وكل الأمور التى تحدث فى حياتنا حتى الكلمة التى تخرج من أفواهنا تكون كالجنين، لها وقت معين تظهر فيه، والجنين له وقت محدد للنزول من بطن أمه إذا استعجل أبواه نزوله قبل موعده فسوف يأتى مشوهاً أو ناقصاً.
والفرج أيضاً مثل الجنين له وقته الذى يعلمه الله، والإنسان الذى يريد أن يظهر الفرج من وجهة نظره هو فى الوقت الذى يريده هو لا فى الوقت الذى يريده الله، فإنه جاهل وعجول، فتفريج الكرب رزق، والكلمة رزق، والنجاح رزق، وكل نعمة من الله، سبحانه وتعالى، هى رزق، وقد قال سبحانه وتعالى «وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، فالله عليم خبير.. فالإنسان الجاهل فقط هو من يريد أن يستعجل الأحداث، وعلماؤنا يقولون إن الله لا يعجّل بعجلة عبده.
فالإنسان دوره أن يغرس البذرة ويسقيها ويرعاها، ولكن لا يستعجل حصادها، فالحصاد من عند الله، وإذا جاء الأمر على غير هوى النفس فلا تجزع، فالمؤمن الحق هو من يكون عنده يقين بالله وبحكمته فى تأخير الأمور وبحكمة الله فى كل ما يمر من حوله من أمور وأحداث، وأحيانا يكون تعجل الإنسان ورغبته فى استباق الأمور ضد الإيمان ومنافياً لأمر الله سبحانه وتعالى، وذلك حينما لا يرضى الإنسان بقضاء الله وقدره، ويكون متعجلا لتحقيق ما يريد ويضيق ذرعا إذا لم يتحقق.
وهناك من يتمسك بالدنيا فيتحسر ويجزع عندما لا يأخذ منها ما يريد، وهناك من يجعل الدنيا ممراً له للآخرة، وهناك من يعمر دنياه ويخرب آخرته، والإنسان بطبيعة الحال لا يتمنى أن ينتقل من العمران إلى الخراب، وهناك من عمروا الآخرة فعمرت بهم دنياهم، والدنيا ليست ضد الآخرة، فهى مرحلة من المراحل التى يمر بها الإنسان، والمراحل التى يعيشها الإنسان خمس: هى عالم الذر، وعالم الأرحام، وعالم الشهادة، وهى الدنيا التى نعيشها، وعالم البرزخ، وعالم الآخرة، فالدنيا مرحلة من المراحل وليست كل المراحل، فاللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ووفّقنا لما تحبه وترضاه.