عندما تشاهد قبل يومين وزير الثقافة صابر عرب سارق جائزة الدولة التقديرية 2012 وهو يعلن أسماء الفائزين بجوائز الدولة 2013، دون أن تلمح حمرة الخجل على وجهه يبقى إنت أكيد أكيد فى مصر.
عندما يعلن فى نفس اليوم د.حسام عيسى نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم العالى اعتذاره عن الترشح قبل التصويت النهائى بساعات قليلة لجائزة النيل فى العلوم الاجتماعية، رغم أن الأغلبية كانت ستصوت لصالحه، ويؤكد أنه لا يقبل أخلاقيا قبول الترشح، نقول كمان لا يقبل أخلاقيا، لم يقل قانونيا ولا سياسيا، ولكن أخلاقيا، يبقى إنت أكيد أكيد فى مصر، مصر التى ستولد من جديد عندما نتخلص من هؤلاء الذين يتلاعبون بكل شىء ويتلونون مع كل طيف ويرقصون على كل إيقاع.
هذا هو الدرس الذى مع الأسف لم يتعلمه كثيرون وعلى رأسهم وزير الثقافة، الذى لم يكلف نفسه حتى بالدفاع عن نفسه وتبرير قبوله الترشح للجائزة فى العام الماضى وهو الوزير المنوط به منح الجائزة، ومن الممكن بالطبع فى زحام الأحداث التى يعيشها الوطن أن ينسى الناس ما فعله صابر، ولكن ألم يذكرهم الموقف الأخلاقى لدكتور حسام عيسى بأن هناك على المقابل من منح القواعد الأخلاقية إجازة مفتوحة؟
كل ما فعله صابر للتغطية على تلك الجريمة هى اللعبة المكشوفة، عندما استقال من الوزارة قبل إعلان الجائزة بأسبوع واحد فقط، بعد أن اطمأن أن الأمر صار تحت السيطرة و«باقى ع الحلو دقة»، لأنه من غير الممكن أن يعلن وزير الثقافة فى مؤتمر صحفى اسمه ويهنئ نفسه بالأصالة عن نفسه بحصوله على الجائزة.
المشهد الذى انتظرته بعد إعلان الجوائز على الهواء عندما فتح الوزير باب الأسئلة للزملاء الصحفيين، أن أستمع إلى سؤال خارج الصندوق، مع الأسف جاءت الأسئلة كلها داخل المقرر، هناك من يقول له نريد أن نعرف أسباب الفوز أو متى تسلم الشهادات أو الميداليات الذهبية، وغيرها من الكلمات الفاتحة للشهية التى ترضى فى العادة غرور المسؤول، كم تمنيت أن يطلب منه أحدهم أن يعقب عن خبر اعتذار د.حسام عن الترشح، بالتأكيد كان سيشنف آذان الزملاء بعبارات المديح والإطراء على نائب رئيس الوزراء، وبعد أن يحصل منه الزميل على تلك الإجابة يوجه إليه السؤال الثانى لماذا وافقت أنت العام الماضى على الترشح وأنت وزير.
لن أكف عن القول إن الوسط الثقافى وأيضا من يعملون فى بلاط صاحبة الجلالة فى دائرة الدولة مسؤولون عن تفشى مثل هذه الظاهرة فى عديد من القطاعات، صمتهم الدائم عن فضح المخالفات هو الذى يأتى مجددا ولثالث مرة على التوالى بصابر على مقعد الوزارة.. الثورة الحقيقية التى كنت أنتظرها فى الوزارة بعد إسقاط الوزير الإخوانى علاء عبد العزيز هى ثورة ضد كل مظاهر الفساد، كيف يقبلون على أنفسهم أن يصبح هذا الوجه الذى انتزع الجائزة عنوة على مرأى ومسمع من الجميع هو واجهة المثقفين الرسمية؟ مع الأسف آسر أغلب الكبار الصمت الرهيب، تسألونى لماذا؟ لأنهم مشغولون بمصالحهم الصغيرة، ولنكن صرحاء، صابر سيسعى لكسب ودهم وأغلبهم سوف يحسبها هكذا، والوزير موظف مخضرم ويدرك أن هذا ينتظر جائزة من الدولة هو قادر باعتباره رئيسا للمجلس الأعلى للثقافة أن يساعده فى اختصار الطريق إليها، وذاك يطمع فى سفر على حساب الدولة سيجد توقيع الوزير جاهزا، وهناك من يريد الدولة أن تطبع أعماله الأدبية الكاملة فى كتاب أنيق وسوف يتولى صابر عمل اللازم.
لا أتصور أن الأمر غامض أو ملتبس، نحن مع وزير ثقافة احتوى الوسط أقصد بالطبع أغلبه، وهم مستعدون لعقد هذه الصفقة، لن نثور ضدك ولن نطالب بإسقاطك طالما أنت تنفذ طلباتنا، قرأت عمود كاتبنا الكبير فاروق جويدة أمس فى جريدة «الأهرام»، وبدأه بالثناء على موقف د.حسام عيسى، ولكنه أنهى كلمته مطالبا صابر بوضع الضوابط حتى لا يتكرر منح جوائز الدولة لمن لا يستحقها، كأنه يسلم القط مفتاح الكرار، عندما يحدث كل ذلك يبقى إنت أكيد أكيد فى مصر.