«عزيزى عُمر
تحية طيبة وبعد؛
لا أحد بيننا قادر على قراءة المشهد جيدا ليخرج منه باستنتاجات مستقبلية، وكثيرون يحلمون بانتهاء هذا الوضع بأى طريقة حتى إذا قلت لهم (حلمى طولان) هيحكم مصر سيقولون لك موافقين على الأقل تبقى مصر نفعت الزمالك بحاجة.
بخلاف أن الشحن تجاوز (الـ4 شُرَط) من زمان ودخلنا فى مرحلة الحرارة العالية.
والحرارة تقود إلى التخاريف، وهو الأمر الذى يعوق الوصول إلى أى قرار سليم، لذلك أرى أنه حتى الحل السياسى نفسه لن يفيد، لأن الحساسية التى بلغت أوجّها ستحول بيننا وبين أى نقاش عقلانى، باختصار لقد وقعنا فى الفخ.
ما المَخرج؟
المَخرج أن نخفف تدريجيا أثر السياسة فى حياتنا لفترة ما.
لسنا بحاجة هذة الأيام إلى خبراء استراتيجيين ورجال سياسة وفطاحل أمن ومتانة، هذا هو الوقت الذى يحتاج فيه المجتمع بقوة إلى أطباء علم نفس وشعراء وفنانين وأساتذة تاريخ وعلماء دين متصوفة وإخصائيين العمل المجتمعى، أنا لست فقط ضد أحزاب طريق قليوب القائمة على أساس دينى، أنا ضد أن تكون سيرة الأحزاب والانتخابات هى الطبق الرئيسى على مائدة البيوت المصرية، أنا أحلم أن تكون (سى بى سى سفرة) هى القاعدة، والاستثناء أن تكون هناك قناة اسمها (سى بى سى لميس)، وأن تسهر قناة (دريم) مع حلقات برنامج عمار الشريعى على أن يتم ترحيل برنامج الإبراشى إلى الخامسة فجرا.
لا بد من مساحة لالتقاط الأنفاس حتى تستردّ جموع الشعب إنسانيتها وعافيتها النفسية، لا أهتم بوفود تزور محبس الرئيس المعزول لتطمئن على سلامة وضعه، أريد وفودا شعبية تزور الأمهات اللواتى فقدن أبناءهن سواء كانوا إخوانا أو سلفيين أو جنود أمن مركزى لتقدم لهن واجب العزاء.
لا أريد أن أرى المفتى على الشاشة يحدّثنا عن السياسة ويفتى تحت غطائها بما يربكنا، ولكن أريد أن أرى المفتى فى فاصل كل ربع ساعة يدلّنا على طريقة جديدة تساعدنا على أن نتعايش مع الوضع كله فى خطاب يفيد كل من يقف فى جزيرة معزولة.
فليحارب الجيش الإرهاب، وليلتقط الإخوان وأنصارهم أنفاسهم بيننا بدلا من أن يلتقطوها فى عزلة مدججة بالعنف، ولتنشب خناقات الدستور بين أهل السياسة بمعزل عن أعصابنا، أنهوا كتابته ثم قَدِّموا لنا النتيجة لنستذكرها ونقول فيها رأينا دون أن تسحلونا سطرا بسطر، اسمحوا لنا أن نأخذ نفسا عميقا يسمح بوصول الأكسجين إلى المخ حتى نَقْوَى على تقديم منتجات سليمة وأفكار أقرب ما تكون إلى الصحة وأبعد ما تكون عن الانفعال، أسوأ قرارات الزواج تلك التى يتخذها شخص ما عقب صدمة عاطفية، والخلل الموجود فى طريقة تعاملنا مع الأمور ومع بعضنا البعض سيقود بلا شك إلى خلل فى الناتج النهائى.
الناس تضيع أحلى أيام عمرها فى مناقشة ما الذى حدث لعمرو حمزاوى، وأين اختفى وائل غنيم، وسر خناقة مرتضى منصور وخالد صلاح، ولماذا توقف باسم يوسف عن تقديم برنامجه، والتفتيش فى تويتات الآخرين القديمة وحذف الأصدقاء من (فيسبوك) لأنهم لم يستلطفوا تعليقا ساخرا على شنب البلتاجى ومراقبة الآخر طول الوقت للعثور على ثغرة ما حتى لو كانت مجرد كاميرا يحملها فى شارع عام، المجتمع أصبح نسخة من الرجل الذى طلب من إسماعيل يس أن يضع أذنه على الحائط ليسمع، وعندما قال له يس (مش سامع حاجة) قال له الرجل (ما هو ده اللى هيجننى).
يحتاج المجتمع أن يستعيد عافيته الذهنية والنفسية، هذا هو الوقت الذى يجب أن تعتذر فيه الدولة عن العنف المفرط وأن يعى الإخوان بالضبط دورهم فى ما حدث ومسؤوليتهم عن جزأ كبير فيه، وأن تعود ماتشات الكرة بجمهور، هذا وقت يجب فيه على إبراهيم عيسى أن يمنحنا إجازة من إطلالة الخرباوى ويجيب لنا أنغام تونِّسنا فى ليلة من ليالى الحظر حتى لو هتبكينا على حالنا (عشاق ترابك أحبابك.. وكلنا أهل وعيلة)، بلاش أنغام.. أين سيد حجاب والأبنودى ونجم والمخزنجى والمنسى قنديل وداوود عبد السيد ومنير، وغيرهم كثيرون تمنحنا إطلالتهم قدرا من الوَنَس بدلا من ضيوف يجعلون الواحد جالسا أمام التليفزيون بـ(يغل فى نفسه)، هذا وقت يجب فيه على معدى البرامج أن يحرقوا أجنداتهم القديمة بما تتضمنه من أسماء وأن يبحثوا عن أصوات جديدة، هذا الوقت الذى يجب أن ننقذ فيه كتابا موهوبين من إهدار طاقتهم الإبداعية فى التنظير لمواقف سياسية وليأخذوا بإيدى المحبين باتجاه أفكار تشبه بلدوزر رفع القمامة المتراكمة فى شوارع الروح المصرية، هذا وقت عودة حمدى قنديل ليقرأ علينا الصحف والمقالات بموضوعيته وخبرته العميقة التى تعلم ولا تبحث عن (الشو)، هذا وقت عودة ساقية الصاوى وحفلات التوقيع والندوات الثقافية، نحن فى عرض كل فعالية تحيى الروح وتنعشها، أقول لك على حاجة أنا أدعو المخرج على العسال أن يسجل على نفقة الدولة حلقات جيدة من (ادينى عقلك)، من جهة عنوان البرنامج يليق بالحال العام ومن جهة مع كل ضحكة تحدث رجرجة تزيح غبارا ما من فوق إحدى خلايا المخ.
لا تطلب من مجتمع مرهق نفسيًّا ومشوَّش أن يختار دستورا وبرلمانا ورئيسا فى ستة أشهر، ولا تفرض عليه خارطة طريق تتجاهل ضمنيا كل هذا الدم الذى لم تشربه الأرض بعد وما ترتب عليه من اكتئاب خفى، ولن ينفع أحد تجاوز هذا الهلع والتوتر الذى قسم البيوت من داخلها قبل أن يقسم المجتمع كله؟، امنحوا المصريين فرصة لالتقاط الأنفاس، ما لم يكن هدفنا جميعا فى الأيام القادمة هو استعادة الإنسان فسنكتشف بعد فوات الأوان أننا (سلخنا قبل ما ندبح).
سلام».