ايجى ميديا

الأربعاء , 25 ديسمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

مكتبة الأستاذ..

-  
نشر: 29/8/2013 2:40 ص – تحديث 29/8/2013 9:22 ص

عدد ليس قليلا من المعارف والأصدقاء لاحظوا وسألنى بعضهم مشكورا: لماذا لم أكتب ولم أعلق على واحد من أشد الأخبار سوادا وأكثرها إثارة للحزن، وسط هذا الفيض الكاسح من أنباء الجرائم البشعة والعربدات التخريبية المنحطة الخسيسة التى اقترفتها عصابات جماعة الشر السرية وتوابعها الإرهابيون فى طول البلاد وعرضها، وبلغت ذروتها الرهيبة بعد فض وإزالة بؤرتى العفن فى منطقتى «رابعة» و«النهضة»؟!

فأما الخبر الذى قاومت بكل قوتى أن أقترب منه هربا من وجع وألم عظيمين، فهو قيام قطيع من مجرمين همج لا يفوق جبنهم وتوحشهم إلا الجهالة والسفالة وانعدام الضمير، بحرق وتدمير بيت ومكتبة أستاذنا ومدعاة فخرنا والدليل الساطع الحى «أطال الله فى عمره» على عبقرية شعبنا وقدرته المتجددة على إهداء الإنسانية أنبه وألمع العقول، محمد حسنين هيكل.. تنفيذا لقرار الإجرامى أصدرته العصابة ووقف واحد من أنطاعها التوافه ذات مساء على رصيف بؤرة «رابعة» وراح يحزق ويتفتف وهو يعلنه أمام عدسات التلفزة متوعدا قائمة طويلة «63 اسما» من الكتاب والصحفيين والإعلاميين بالانتقام، لكنى أظن أنهم جميعا «بمن فيهم العبد لله» شعروا بالتيه والفخر لأن تلك القائمة البائسة جمعت أسماءهم مع اسم «الأستاذ» شخصيا!!

لقد استبدت بى مشاعر الصدمة والهلع بعدما سمعت الخبر المشؤوم، فلم أقوَ ولم أجرؤ على الاتصال بالأستاذ مباشرة للاطمئنان عليه، واكتفيت بتلمس نبأ سلامته -الحمد لله- عند أصدقاء أعزاء وبقيت غارقا فى الحزن والهم لدرجة أن عقلى الباطن قرر إنكار حقيقة وقوع هذه الكارثة الوطنية من أصله، غير أن الإنكار لم يصمد طبعا طبعا أمام قوة وثقل الحقيقة المرة.. لهذا أنا أكتب الآن مغالبا كل أوجاع الحزن والحسرة.

لعلك عزيزى القارئ، لاحظت أننى وصفت ما فعله شياطين الظلام وأعداء الإنسانية فى بيت الأستاذ هيكل بأنه «كارثة وطنية».. إنه كذلك بالفعل، فإذا كان مقر إقامة الأستاذ الذى دمره ونهبه هؤلاء الهمج ولم يردعهم جماله وأناقته بل ربما زادهم بهاؤه شبقا للتخريب والشيطنة، قد يرى بعض الناس -لست أنا منهم- أن خسارته سوف يتحملها أستاذنا هيكل وحده، فإن حرق المكتبة العتيدة التى راكم فيها الرجل كنوزا لا تقدر بثمن من كتب وأوراق ووثائق تحكى وترصد وتسجل أخطر وأهم وقائع ومحطات تاريخ مصر المعاصر، هو عمل إجرامى شنيع يتعدى أذاه شخص وقامة الأستاذ ويلحق ضررا بالغا بالشعب المصرى كله وأجياله المقبلة، فضلا عن أنه يجسد الدليل رقم مليون على نوع الشرور التى كانت تزحف على كيان هذا الوطن، وتستهدف تدمير ميراث تحضرّه وقدرته على معاودة النهوض والتقدم، لو لم يدرك شعبنا مبكرا خطر العصابة الفاشية الجهولة ويسقطها ويجرجرها إلى مزبلة التاريخ، حيث ستستقر للأبد.

غير أننى أختم بحكاية حكيتها من سنوات وأظنها الأكثر بلاغة فى التعبير عما كان سيحدث لهذا البلد إذا نجحت عصابة الشر فى إتمام السطو على دولته ومجتمعه.. الحكاية يرويها فيلم سينمائى رائع عنوانه «فهرنهايت 451» وهو مأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه كتبها الأديب الأمريكى راى برادبى وفتحت أمامه أبواب الشهرة والذيوع بعدما اقتبسها «فى عام 1966» فرانسوا تروافو، الذى يقف بجوار جان لوك جودار، وآلان رينيه كأحد أبرز مخرجى ما سمى فى ستينيات القرن الماضى، سينما «الموجة الجديدة» الفرنسية.

رقم 451 الموجود فى العنوان هو درجة الحرارة المناسبة لحرق الكتب طبقا لوحدة قياس «فهرنهايت»، التى اعتمدتها أجهزة سلطة حكم فاشية، بينما هى تمد سطوتها وتسلطها إلى عقول الناس وتظهر عداء واحتقارا شديدين للمعرفة والثقافة عموما، وخصوصا الكتب، لدرجة أنها أسست فرقة أمنية متخصصة مهمتها تلقى البلاغات والوشايات عمن يحوزون هذا «الصنف»، وعندما تؤكد التحريات صحتها تتحرك على الفور وحدات الفرقة المذكورة لحرق الكتب وإبادتها واعتقال من ضبطت بحوزتهم ورميهم فى السجون أو المصحات العقلية.

الشخصية المحورية فى الرواية والفيلم يدعى «جاى مونتاج» يعمل مجندا فى وحدة من هذه الوحدات، وهو يؤدى عمله ويشعل الحرائق فى الكتب بطريقة روتينية وبغير عواطف سلبية أو إيجابية، وإنما كواجب وظيفى فحسب، إذ إنه لم يختر تلك المهنة بل ورثها عن أبيه الذى ورثها بدوره عن جد «مونتاج»، غير أن هذا الأخير يلتقى ذات مساء بجارته الحسناء «كلاريسا ماكليلان» الموصوفة بأنها ربما مجنونة أو بلهاء، فقط لأنها تبدو كأنها تفكر ولا تكف عن طرح أسئلة تبدأ كلها بـ«لماذا»!!

تصيب «كلاريسا» جارها «مونتاج» بعدوى التفكير المحظور أساسا، فيتجرأ ويسأل نفسه عن معنى حياته ومعنى السعادة. ومن هذه الأسئلة تبدأ مسيرة تحولاته الفكرية التى ستزداد وتيرتها بقوة، بعد أن يشارك فى حرق مكتبة سيدة عجوز أصرت أن تبقى وسط النار المشتعلة فى كتبها وماتت معها، ثم لم يمض وقت طويل حتى أوصلته هذه التحولات إلى العصيان والتمرد النهائى، ليس فقط على مهنة حرق الكتب، ولكن على النظام القمعى كله الذى صادر عقله واستلب أرواحهم وأدمغة الناس.. وفى النهاية ينخرط «رجل النار» فى جماعة المثقفين المناضلين من أجل استعادة العقول والأرواح السليبة، بل ويذهب معهم إلى المكان النائى الذى يتحصنون فيه من البطش، حيث يمضون أوقاتهم يتمتمون ويحفظون الكتب وقد تسمّى كل واحد منهم باسم كتاب معين ومؤلفه، فهذا كتاب «جمهورية» أفلاطون، وذاك «هاملت» شكسبير، والآخر حافظ كتاب «العهد القديم» أو«الكوميديا الإلهية» لدانتى.. وهكذا صار الجميع بمن فيهم «حارق الكتب» السابق كتبا من لحم ودم تستعصى على الحرق وتحفظ المعارف الإنسانية لحين الخلاص.

التعليقات