فى آن واحد لا تتوقف دعوات للتصالح مع الجماعة، وأيضا لا يتوقف نشر أنباء موثقة عن مشاركات لقياداتها فى الخارج فى تحريك وإدارة مؤامرات دولية على مصر، أحدثها -حتى كتابة هذه السطور- ما نشرته «التحرير» 25 الحالى بعنوان «وثائق سرية تكشف مخطط المخابرات الأمريكية والموساد لدعم الإخوان»، وما يرتكبه كثير من الإعلام الدولى تضمه توجيهات هذه الوثائق مثل صياغة سياسة إعلامية ضد الجيش، وضرورة جعل القرار السياسى الاقتصادى المصرى فى حالة شلل دائم، والتركيز فى الإعلام العالمى على ارتكاب مذابح فى حقهم ومحاولة السيطرة على أهداف حيوية وإرباك العمل بها لإثارة الغضب الشعبى.
وثيقة أخطر نشرتها «الوطن» أيضا الأحد 25/8 عن اجتماع سرى بقاعدة عسكرية أمريكية فى ألمانيا يضم ممثلين عن الموساد وأمريكا وفرنسا وبريطانيا لوضع خطة «شل مصر»، وأنه من وصايا المجتمعين ضرورة زيادة أعداد القتلى فى مصر إلى 6 آلاف شهريا بنفس معدل سوريا! أما الأهداف المراد تدميرها فهى أنابيب الغاز والمياه والمحولات الكهربائية والجسور الرئيسية والسفن العابرة فى قناة السويس!!
هل علينا أن نفهم أنه لا تناقض بين استكمال مخططات التآمر على مصر وبين الدعوات المخلصة جدا للتصالح؟ وأيضا أنه لا تناقض بين هذه الدعوات وبين أن تكون حناجر التآمر الدولى موجهة إلى صدور المصريين لاستكمال النداءات التى وجهت من فوق منصة رابعة لاستدعاء قوات الناتو والأمريكيين للتدخل؟ وهل الدعوة لاستمرار المظاهرات المسلحة والتجمعات والبؤر الساخنة كما فى كرداسة بعد مذبحتها، والدعوة إلى ضرورة زيادة أعداد القتلى إلى 6 آلاف شهريا أسوة بمعدلات الموت فى سوريا، ربما بأمل استدعاء واستخدام النص الذى تبنته الأمم المتحدة فى أوائل القرن الحالى، ويعتبر التدخل الدولى بإجراءات عسكرية واجبا ضد الدول التى تفشل فى حماية مواطنيها المدنيين من أخطار مثل التطهير العرقى أو الإبادة؟! وحيث نستطيع أن نفهم لماذا كان تكثيف التضليل وبيع الأكاذيب بالملايين لإعلام مأجور، قام بفجور ووقاحة نادرة وتحد لوقائع التسليح والاعتداءات المسلحة المثبتة بالصوت والصورة بتحويل الجناة إلى ضحايا ومجنى عليهم!
هل تصلح مصالحات بلا مصارحات؟.. وهل تصدق توبة دون اعتراف بالخطأ والخطايا، وأولها اعتذار صادق للمصريين لعلها تستطيع أن تلتئم فى يوم من الأيام الجراح العميقة التى تملأ المصريين الآن والتى حذرت مبكرا من حدوثها؟ ولا أعرف كيف تستطيع أى مجموعة أو جماعة أن تحيا وسط محيط من الكراهية والرفض صنعته لنفسها بالعنف والسلاح والتهديد والترويع والتدمير والحرق وحملات الأكاذيب، واستعداء واستدعاء أصحاب مخططات استعمارية لتنفيذ مخططاتهم ثمنا لتبادل المصالح بينهم.. مصر بمعاملات الفترة التى تغيرت على أرضها والتى تتمثل الآن فى وحدة شعبها مع قواته المسلحة وشرطته تستطيع أن تتصدى لأى مخطط إرهابى للتنظيم الدولى للجماعة ولقوى الهيمنة الأمريكية والصهيونية بكل أذرعتها الممتدة داخل مصر والجماعات الإرهابية التى زرعت فى سيناء، بالمناسبة الذين يمدون أيدى صادقة للتصالح، أليس أولى أن يوقفوا بها جرائم الخسة والنذالة التى ترتكب ضد مجندينا وضباطنا؟ أظن أن إعلانهم المسؤولية عنها لا يحتمل مناقشة!! حرب التطهير للإرهاب وإعادة تحرير سيناء التى يخوضها جيشنا الباسل هناك.. ومساندته للشرطة فى إيقاف تنفيذ مخطط حرق مصر، الذى أحرق كنائس ومساجد وثروة عمرانية، ودمر شوارع وممتلكات عامة وحرق أقسام شرطة ومستشفيات وبنوك للدم وأدخل اليتم قلوبا وبيوتا، وكلهم من أبناء مصر. أحاول أن أتخيل ماذا كان يمكن أن يحدث لمصر وللمصريين لو لم يكونوا قد استردوا علاقاتهم التاريخية الحميمة مع جيشهم وشرطتهم، التى قادت الجماعة مؤامرات تدميرها وإفسادها تحت مسميات وادعاءات الطرف الثالث منذ بداية ثورة 25 يناير.. سيناريو حرق أقسام الشرطة وإطلاق مساجين ومسجلى الخطر.. والتفاف واحتواء لبعض قادة المجلس العسكرى -لا ينفى هذا ولا يسقط عنهم المسؤولية- ولا عن قطاع أفسدت عقيدته الوطنية من شرطة النظام الأسبق على حكم الجماعة!
الذين يتطاولون على تلبية الجيش لنداء أكثر من ثلاثين مليون مصرى فى 30 يونيو، أسألهم ماذا كان يمكن أن يحدث لو كان المصريون وحدهم بلا قوة جيش وطنى أو شرطة استردت عقيدتها الوطنية وإدراكها أنها جزء من هذا الشعب؟.. ماذا لو وقف المصريون وحدهم بلا جيش أو شرطة فى مواجهة المخطط الإرهابى الدموى بعد إصرارهم على استرداد ما منحوه للجماعة من شرعية للحكم، وبعد أن ظل الإخوان ورئيسهم طوال العام الذى صبره المصريون على حكمهم يسقطون هذه الشرعية؟.. ثم هل ملايين المصريين الذين خرجوا فى 30 يونيو ليسقطوا حكم الجماعة هم المسؤولون عن التاريخ الطويل لسقوطها وحظرها ومصادرة أموالها، أم مخططاتها وممارسات أجنحتها العسكرية ومنذ 8/2/1948 عندما قامت حكومة النقراشى بحل جماعة الإخوان ومصادرة مملتكاتها واعتقال قياداتها وأعضائها، وما توالى من رد التنظيم الخاص للجماعة باغتيال النقراشى باشا باعتباره المسؤول عن قرار الحل، وتنصل المرشد حسن البنا من اغتيال رئيس وزراء مصر فى بيانه الشهير «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، ثم قرار حل الجماعة فى 14/1/1954 رغم أن قانون حل الأحزاب فى يناير 1953 استثنى الجماعة، وتحصين دستور 1956 لقرارات مجلس قيادة الثورة وحظر الطعن عليها أمام القضاء، ومتتاليات الصراع ومحاولات الجماعة للطعن على قرار مجلس قيادة الثورة وحكم القضاء الإدارى عام 1992 بعدم قبول الدعوى لعدم وجود أى كيان قانونى للجماعة، وعودة القضاء الإدارى عام 1994 لرفض الطعن وتأييد قرار حل الجماعة ومصادرة أموالها وممتلكاتها.. يفسر هذا التاريخ بعض أسباب العداء العميق للقضاء طوال عام حكم الجماعة!
السؤال المهم: ما أسباب العداء الأعمق للمصريين الذين احتضنوا هذا الحكم فى أيامه الأولى قبل بدء تنفيذ مخططات التفكيك والتمكين فى جميع مؤسسات الدولة؟ وهل المصريون المحدثون فى مدهم الثورى العظيم فى 30 يونيو هم المسؤولون عن هذا التاريخ؟.. أو المسؤول عنه جيش وطنى لبى نداء هذه الملايين وحال بين هذه الملايين وبين فرض إرادتها بالدم لإسقاط حكم الجماعة، فكان.. بما لم تعرفه مصر من قبل من ترويع ودماء وعنف وموت واستحلال لاستقرار واستقلال مصر!!
هل يمكن أن تتم مصالحة حقيقية قوية الإصرار على عدم التراجع والاعتراف بهذا التاريخ، وبما ارتكب فيه، وبما أضيف إليه من كوارث فى أثناء عام الحكم وبعد 30 يونيو 2013، وهل تصدق توبة وعودة إلا باعتراف واعتذار ومحاسبة؟!
وهل يمكن القبول بالجماعة جزءا من النسيج الوطنى المصرى دون معالجة لأرصدة الألم ودون تفعيل لقواعد العدالة الانتقالية؟ وهل هى دعوة لمصالحة أم لاقتناص محاولة جديدة لتنفيذ المخططات والسياسات التى أدت إلى تاريخ من الصراع كان مع الأجهزة ونقلته الجماعة ليكون مع المصريين وجيشهم؟.. أرجو أن يتذكر الذين يتطاولون الآن على هذا الجيش ما كان يمكن أن يحدث لو لم تدعم القوات المسلحة الإرادة الشعبية التى تفجرت فى 30 يونيو، والوشائج والروابط الوطنية والتاريخية التى تربط المصريين بجيشهم، وأنه والشرطة فى استردادها لعقيدتها الوطنية منتج مصرى أصيل يؤدون واجباتهم الدستورية والقانونية ولا يحكمون.. وأن المصالحة أو المشاركة وكل المسميات التى تُطرح الآن لا تستقيم مع مؤامرات وتنظيم دولى أو مخططات دعم لهيمنة أمريكية وصهيونية وخيانة عظمى. هل لتهديد أمن واستقرار واستقلال مصر اسم آخر؟ وهل للإرهاب الذى يحدث فى سيناء وأعلنوا المسؤولية عنه اسم آخر؟! والمستحيل أن لا تقنن وتحمى وتضبط أى مصالحة بدستور وقوانين تمنع أن تستحل أى جماعة أو تيار أو حزب دماء وكرامة وسيادة المصريين، كما فعلت الجماعة ويفعل الآن الذين يحاولون أن يقيموا مصالحات دون أن يطالبوا بتطبيق القواعد التى مارستها الشعوب لمحاسبة من أساؤوا إليها وأخطؤوا فى حقها، فما بالكم إذا كانوا تآمروا وخانوا وسفكوا الدماء.. هل تظنون أن المصريين شعب من البلهاء؟!