ما إن وصلت إلى العاصمة الفيتنامية هانوى لحضور اجتماعات اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا الذى أشرف برئاسته، حتى وصلتنى أخبار الحريق الذى اشتعل فى ميدان نجيب محفوظ بالمهندسين، والذى لا أعرف لماذا نصر على تسميته باسمه الأجنبى القديم وهو «سفنكس»، فإذا كانت الناس قد تعودت على الاسم القديم فما هو عذر البيانات الرسمية والصحف وأجهزة الإعلام التى اتفقت هى الأخرى على أن الحريق وقع فى ميدان «سفنكس»؟!
ولهذا الميدان حكاية، ذلك أنه فى عيد ميلاد أديبنا الأكبر الـ90، سنة 2001، كتبت أقول كيف يصل الروائى العربى الأول الحائز على جائزة نوبل إلى سن الـ90 وليس فى مصر حتى الآن شارع أو ميدان يحمل اسمه، وقد سعدت يومها باتصال من محافظ الجيزة آنذاك المستشار محمود أبوالليل الذى قال لى إنه قرر تسمية أكبر ميادين الجيزة، الذى كان حتى ذلك الوقت يحمل اسم ميدان «سفنكس»، باسم أديبنا الأكبر، وإنه سيكلف الفنان الكبير السيد عبده سليم بعمل تمثال له يوضع وسط الميدان، كما سيكلف فناناً آخر بعمل جدارية تحت كوبرى 6 أكتوبر أمام منزل محفوظ بالعجوزة تصور محفوظ بين شخصيات رواياته.
وأذكر أننى حين أخبرت الأستاذ نجيب بذلك قال لى بتواضعه المعهود: «ولزمته إيه التعب ده كله؟ قول له بلاش أحسن»، لكنى شرحت له أن القرار قد اتخذ وأن الأمر يتعلق بتخليد عظماء مصر بإطلاق أسمائهم على الشوارع والميادين كما يحدث فى جميع أنحاء العالم حيث يفخر كل شعب بأعلام وطنه الذين تحمل الشوارع والميادين أسماءهم، فنظر لى رحمه الله معاتباً وقال: «كله منك».
واليوم بعد أن تجاهلنا اسم الميدان 12 عاماً، مفضلين الاسم الأجنبى على أكبر الأسماء الأدبية فى تاريخنا الحديث، ها هى يد الإرهاب السوداء التى أراد الله لمحاولتها اغتياله عام 1994 أن تفشل، تعود إلى الميدان لتشعل فيه النيران منفذة تهديدها الأرعن بأنها ستحرق مصر، وكأنها تحاول النيل مرة أخرى من هذا العملاق المتواضع الذى رفع اسم مصر عالياً فى العالم أجمع كما لم يفعل قبله أحد من أدباء العربية ولا بعده.
وكما فشلت محاولة اغتيال محفوظ الآثمة عام 1994، فإن محاولة حرق البلاد عام 2013 ستفشل هى الأخرى، وسيظل تمثال محفوظ صامداً وسط الميدان الذى استكثرنا عليه أن يحمل اسم الأديب الذى كتب ذات يوم: «إن آفة حارتنا النسيان»!