لدينا مشكلة فى العقل، لا فى الواقع المعيش ولا الظروف المحيطة فقط.
عندنا مشكلة فى التحصيل: المصريون الآن لا يبذلون جهدا فى تحصيل معلومات وبيانات وأحداث ووقائع لفهم ما يجرى للفئة التى ينتمون إليها أو المهنة التى يعملون بها أو الحياة السياسية أو الوضع الاجتماعى أو الظرف الاقتصادى، إن لم يكن كل فإن معظم المصريين وأولهم نخبتهم السياسية يعتمدون على السماعىّ والشفوىّ ولا يقرؤون ولا يذاكرون ما هم فيه، ثم الجميع يثرثر ويلغو دون أن يملك معلومات أساسية عن أى حاجة يرددها، ثم إننا جميعا نتحدث بمواجعنا وعواطفنا وبغضبنا، لا بوعى من يمتلك معلومات وحججًا وأسانيد.
عندنا مشكلة فى التركيز: لا أحد يركز فى موضع واحد بعينه أو قضية محددة، ثم هو لا يسمع بتركيز، بل يخطف كلمتين من هنا أو هناك، ولا ينتبه بتركيز، بل مشاعره قبل عقله وغضبه قبل وعيه، ومن ثَمَّ يسمع إجابات عن أسئلته لكنه لا يسمعها إطلاقا لأنه لا يركز فيها ولا يتأملها، ولهذا نحن جميعا نعيد فى الكلام ونزيده من أول الثورى المتحمس إلى المتفذلك المتحذلق، من المتظاهر من أجل راتبه إلى المتظاهر من أجل وظيفته.
من السياسى الذى يطالب بما يخدمه هو لا بما يخدم شعبه، فلا يعرف أصلا ما الذى يخدمه هو أو شعبه!
غياب التركيز يُفقِد الحوار أى أهمية، وبالطبع أى نتيجة.
عندنا مشكلة فى الفرز: الناس لا تجيد الفرز بين الصح والخطأ، بين المعلومة والرأى، بين من معك ومن ضدك، بين الحقيقة والكذب، بين المحترم والواطى، بين الأصيل والخبيث، بين الأصل والفرع، بين الثانوى والرئىسى، بين الضرورات والاضطراريات.. من هنا كل حاجة مشوّشة، حيث إن الناس لا تحصيل ولا تركيز ولا فرز، بل وأكثر من ذلك لدينا عصيان على المعرفة وإصرار على الفرز المتعصب، فكل ما تكرهه خطأ وكل من تكرهه يقول خطأ وكل من تحبه تكرهه لو قال ما تكره!
عندنا مشكلة فى بناء الرأى: مع ما سبق من مشكلات، يبقى قطعا تتبعها مشكلة أعمق فى تكوين وبناء الرأى، فالرأى غير مبنىّ على قواعد سليمة ولا معلومات صحيحة ولا اختيارات ثابتة، ومعرفة عدوك من حبيبك، ومصلحتك من ضررك.
بالتأكيد يبقى عندنا مشكلة فى اتخاذ القرار: مع كل المشكلات السابقة ابقى قابلنى لو كان قرارنا صحيحا فى معظم ما نعيشه وأغلب ما نواجهه.
نجَّى الله شعب مصر من نخبة لا تستطيع صناعة قرار.. فضلا عن أن يكون قرارا صحيحا.