فى نهاية فيلم «سواق الأوتوبيس» (١٩٨٣) للمخرج عاطف الطيب، يوقف السائق حسن (نور الشريف) أوتوبيسه فوق كوبرى أكتوبر، ويقفز منه ليلحق بالنشال الهارب وينهال عليه بالضرب وهو يردد ثائرا: يا ولاد الكلب.. يا ولاد الكلب. هذه الصيحة أو النداء تتردد كثيرا هذه الأيام. بالمثل اختتم المخرج خيرى بشارة فيلمه «العوامة رقم ٧٠» (١٩٨٢) ببطله مخرج الأفلام التسجيلية (أحمد زكى) يضع الدبلة -التى ردَّتها له خطيبته الصحفية- فوق كتاب «سينما الحقيقة» لفيرتوف، ثم يلتفت إليها هامسا وبحسرة دفينة: الفيلم الجاى عن البلهارسيا، اللى أخويا وابن عمى لسه ماخفّوش منها.. مين المسؤول؟ وفى اللقطة الأخيرة فى فيلمى «الحَرِّيف» (١٩٨٣)، يحتضن فارس (عادل إمام) ابنه الذى جرى وارتمى فى أحضانه عقب تسديده هدف الفوز فى مباراة الكرة الشراب، ويقول له وهو يلهث: زمن اللعب راح.. لاحظ أن الأفلام الثلاثة ظهرت فى محيط سنتين أو ثلاث وعبّرت بطريقة أو بأخرى عن وجدان المواطن المصرى فى ذلك الحين وربما اليوم كذلك. هذه الأفلام وغيرها حينذاك قد شكّلت بالفعل بوادر حركة سينمائية فى بداية الثمانينيات.
اليوم لم يعد السؤال: هل هناك سينما جديدة على الساحة أم لا فى ظروف سياسية واجتماعية من الواجب أن تُظهر سينما أخرى على الأقل تُعبر بصدق عما دار ويدور وربما سيدور فى حياتنا. ربما تميزت سينما الثمانينيات بمضامين اجتماعية ووعى سياسى معاصر على الرغم من استسلامها لخط اقتصادى (قنوات تمويل وتوزيع تقليدية)، فقد برز فى تلك السينما محاولات جادة ولو أنها قليلة ولكن أكثر طموحا نحو مفردات اللغة السينمائية وتطور أساليب السرد بها. حتى لا يقعوا فى حُفرة «يا أرض ما عليكى إلا أنا» لم يتجاهل سينمائيى المرحلة البذور التى زرعها من قبلهم مثل واقعية صلاح أبو سيف (تعمق فى المضمون) أو فردية يوسف شاهين (البحث عن الشكل). إذا اتفقنا أن سينما الثمانينيات الأخرى وما بعدها ما زالت تتأرجح وتتخبط فى زمن خانق ومطحون بمشكلاته الاقتصادية، ومحاذيره الاجتماعية وإحباطاته السياسية إلا أننا يجب أن نتذكر أن فى مناخ مماثل نهضت سينما «ما بعد الحرب العالمية الثانية» فى إيطاليا فى أواخر الأربعينيات، ومن بعدها وُلدت الموجة الجديدة فى فرنسا وإنجلترا فى أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات. ربما لم يعد لدينا سينما جديدة بالمعنى الدقيق إلا أن آليات السينما هى التى أصبحت جديدة بتكنولوجياتها وفتحت أبوابها المغلقة للموهوب، وفى غياب أى تمويل محلى طَموح وواعٍ أصبحت طُرق الدَّعم سواء محليا أو عالميا مُتاحة للجميع ولو أنها تستلزم المثابرة والنفس الطويل.