الدولة العميقة هى فى حقيقة الأمر مجموعة صلبة من التحالفات النافذة داخل الدولة، وتتكون من عناصر عديدة المستويات داخل أجهزة الدولة والجيش والشرطة والقضاء والجهاز المصرفى ورجال المال الأقوياء والإعلام.. شبكة بالغة الترابط والتعقيد من المصالح والأعمال والعلاقات والمصاهرات والصداقات والفساد والخراب الهائل الذى يفوق الخيال، شبكة مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية يختلط فيها المدني بالعسكري.. المحلى بالإقليمي بالدولي، متشعبة للغاية، تمتلك إمكانات وأدوات مادية ضخمة وإعلامًا وقوى ناعمة هائلة «روائيين وشعراء وفنانين»..
غير أننا من المهم أن نعلم أن بداية «الدولة العميقة» في مصر بلا أيديولوجيا.. حتى لا نذهب بعيدًا.. كما كان الأمر مثلاً فى الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية أو كما كان فى تركيا «العلمانية اللادينية»
بعد ٢٦ يوليو .. وطلب «السيسي» من الشعب للنزول إلى الشوارع لتفويضه، ظهرت عناصر الدولة العميقة لتعبر عن نفسها بعد أن كانت أهم سماتها الغموض طيلة الفترة الماضية على أنهم أصحاب ما أسموها بثورة ٣٠ يونيو المنفصلة عن ثورة ٢٥ يناير "على حد قولهم" .. بل إن البعض منهم يعتبرون ويبوحون في الفضائيات وعلى الملأ أن ٣٠ يونيو قامت في الأساس ضد ٢٥ يناير التي كانت سبباً في الخراب بالنسبة لهم .. والخراب عندهم هو أن ٢٥ يناير تسببت في إنهيار جزءاً كبيراً من شبكة العلاقات والمصالح المشبوهة .. حتى أن معظمهم يدعي أن حملة «تمرد» التي كانت لها الفضل الأول في الدعوة لـ ٣٠ يونيو هي حملة مخابراتية بالأساس كي يمحو صفة النقاء الثوري المنبعث من معتنقي مباديء ثورة ٢٥ يناير عن ٣٠ يونيو .. فهؤلاء الثوار الأصليون هم أصحاب الفضل الأول والأخير على تحويل معظم الشعب من حالة الخمول والإستسلام للأمر الواقع عليه من الدولة إلى النشاط والضغط على الدولة لتحقيق ما يريد.
هؤلاء من أصحاب المصالح هم من يتبنوا فكرة الإنتخاب بالنظام الفردي ويروجون لها رغم أن الجميع كي يستأثروا بمقاعد مجلس الشعب القادم .. فالنظام الفردي العامل الأساسي والأهم فيه هو المال، ومن يمتلك المال في هذا البلد هم الإخوان والفلول أما الشباب والثوار فلا يمتلكون سوى نقائهم الثوري وأحلامهم الوردية التي يسعون لتحقيقها من خلال الدخول بقوة في مؤسسات الدولة وهذا وحده غير كافي للفوز في الإنتخابات، وكما ترى الإخوان لم يعد لهم عند المصريين أية ثقة فمهما أنفقوا من أموال كي يستعيدوها فلن يستعيدوا سوى ربع مقاعد الفلول .. أما نظام القائمة العامل الأساسي فيه هو السمعة وهذا ما سيجعل للثوار وللشباب الحظ الأوفر في الإنتخابات فتواجدهم في الشارع أصبح ملحوظ بدرجة كبيرة عند البسطاء منذ الإعلان الدستوري الذي كان قد أصدره «مرسي» في نوفمبر الماضي إلى الأن.
إن ما يحدث الأن عبر جميع الفضائيات المصرية هو جريمة كبرى لا تغتفر .. حيث تحويل الدولة العميقة التي كانت مستترة إلى الدولة الوحيدة الظاهرة للكافة والتي تعبر عن نفسها بوضوح وتفعل ما تشاء ورغم أنف الجميع.