الشريعة الإسلامية تضع الرجال فى موقع معاملة تفضيلية على النساء، تبعا لمبدأ القوامة. وبالتالى، حين تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع فلن يخرج قانون يقضى على المعاملة التفضيلية للرجل فى الإرث، والزواج والطلاق. أفهم أن الضغط الاجتماعى وحده كفيل بإيقاع الضرر على النساء. لكن التسويغ القانونى يعطيه مشروعية. والتسويغ الدينى يعطيه ختما إلهيا. وبالتالى تقف مواد الشريعة فى وجه التطور الاجتماعى الطبيعى. الذى لا بد أن يحدث منطقيا بعد أن خرجت المرأة إلى العمل. مما جعلها مشاركة بشكل أكبر فى الإنفاق على هذا المجتمع. بالكسب المباشر مرة، وبالقيام داخل المنزل بـ«عمل غير مدفع» مرة أخرى.
ستقولين لى إن الإسلام حسن وضع المرأة، وتأتين لى بأمثلة عن وضعها فى مكة -الجزيرة العربية- القرن السابع الميلادى وكيف صار بعد الإسلام. سأقول لك إن تلك هى النقطة. حث الإسلام على استخدام المسواك هو فى مقصده حث على تنظيف الأسنان، مع اختلاف الأداة من عصر إلى عصر. وبالتالى فإن ما تقولينه عن تحسين الإسلام حال المرأة هو فى مقصده تطوير وتحسين لأوضاع المرأة. يشبه تطوير وتحسين أوضاع العبيد. المقصد هو التطوير والتحسين. ومن غير المعقول أن يكون هذا المقصد ثم نرى الإسلامجية يصرون على تثبيت حال المرأة التشريعى على ما كان عليه قبل ١٤٠٠ سنة.
كما أن الشريعة الإسلامية لا تساوى بين المسلمين وغيرهم، وبالتالى لا تحقق مبدأ المواطنة. لى صديق بهائى فشل فى تسجيل ابنه الصغير، لأن التعليمات تقضى بأن المسجل لا بد أن يختار فى خانة الديانة إحدى الديانات السماوية الثلاث. هنا مبدأ المواطنة مضروب من جذوره، فى الاعتراف بالمواطن وهويته كما اختارها لنفسه. لكنه أيضا مضروب فى قمة الهرم، بالاعتراضات على تولى غير المسلمين مناصب قيادية فى الدولة، استدلالا بالشريعة. بين الجذر والقمة فإن مبدأ المواطنة مضروب فى كل درجة، بصورة لا يدركها المواطن الوحيد الذى لم يتضرر منها، المسلم السنى الذكر.
أدرك أن هناك جدلا حول المبادئ وعلاقتها بالمقاصد، وحول المبادئ الكلية والمبادئ الجزئية. لكن النقطة التى أثيرها هنا ليست الخوض فى نقاشات فقهية، بل إننى أتحدث عن جعل ذلك مادة دستورية، تبيح لرجال الدين امتلاك القول الفصل فى التشريع. وتجعل الأمة المصرية فى حقيقتها طوائف تشريعية حين يأتى الموضوع إلى الأحوال الشخصية. قوانين الأحوال الشخصية يجب أن تراعى تطور المجتمع، وأن يكون الوصول إليها بالتوافق المجتمعى، والدين جزء من تشكيل اختيارات الناس فيه. بمعنى أن الدين جزء من تشكيل اختيارات الناس الفردية، يستطيعون أن يعترضوا على أى قانون لا يحقق لهم المصلحة من خلال الاحتجاج ومن خلال الانتخاب. وليس من خلال هيئات غير منتخبة تملك سلطة فوق سلطة عقول البشر وإدراكهم لما ينفعهم وما لا ينفعهم.
بالنسبة لطائفة الأغلبية الموضوع محسوم. لأن التشريع لن يمر إلا بموافقة أغلبية نواب المجتمع، المعبرة عن أغلبية المجتمع. وفقا لمصالح هذا الشعب. أما فى حالة الأقليات، التى ستفقد، كونها أقلية، وجود تشريعات تعبر عن رغبتها، فإن الدول الديمقراطية تمنح المواطن الخيار بين اللجوء، فى الأحوال الشخصية، إلى محاكم أحوال شخصية دينية، أو إلى محاكم مدنية. يجب أن يكون للفرد الخيار. بل ومن الممكن أن تعتمد هذه الازدواجية التشريعية فى الأحوال الشخصية مع الجميع، ولكل أن يختار ما يريد.
خيار الفرد هو المعبر الوحيد عن رغبته، والضامن الوحيد، لأن لا يتحدث آخرون باسمه، فتقبل المرأة، مثلا، ما ينقصها حقها بسيف السلطة الدينية (الدستورية). خيار الفرد هو المعبر الوحيد عن الاتجاه الذى يريد أن يسير فيه، وبالتالى فإن مجموعه هو المعبر الأقرب عن رؤية المجتمع لموضع مصلحته. إن اختار هذا الطريق قبلنا، وإن اختار ذاك قبلنا، بشرط أن نضمن الحفاظ على حقه فى تغيير اتجاهه إن أراد.