والدى الغالى...
أعتذر لك عن عنوان خطابى الأول لك بعد رحيلى، فأنت تعرف كم أحبك، ليس فقط كأب بار بابنه له عليه كل الحب والإعزار، ولكن أيضا كمرشد روحى، له على كل السمع والطاعة... لكننى بعد رحيلى أردت أن أرسل لك هذه الرسالة لعلها تكون بداية لبداية جديدة...
نعم أحبك وأعرف كم تحبنى وأعرف مقدار الحزن الذى يملأ قلبك وفؤادك بسبب رحيلى، أعرف أيضا مقدار الألم الذى يعتصر قلبك وأنت ترى من على بعد «نعشى» وهو يتحرك إلى مثواه الأخير وأنت لا تستطيع أن تكون بجوارى. أسمع دعواتك لى بالرحمة والمغفرة، وأرى دموعك وهى تنهمر من عينيك على فلذة كبدك الذى كان دائما الطائع الأمين.
دعنى والدى الحبيب أتشارك معك اللحظات الأخيرة قبل أن تصعد روحى إلى بارئها، فنحن لم نجد الفرصة للوداع وهى بحق كانت لحظة غريبة، ففى أقل من ثانية تداعت أمام عينى كل صور حياتى، والشىء اللافت للنظر أن وجهك الطيب الحنون كان هو الغالب فى كل الصور!!!
مر شريط الأحداث سريعا من أول صورتى وأنا طفل وأنت تحثنى على الأخلاق الحميدة وعلى قول الحق وعلى الالتزام بالأخلاق، علمتنى ورعيتنى خير ما يكون الأب لابنه، ولذا كنت دائما رهن إشارتك.
صورتك يوم تشاورت معى على الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين على كونها جماعة للخير والدعوة والسعى فى الأرض لخير العباد، وكم سعدت يومها وأنت تأخذ بيدى لأقسم قسم الولاء والطاعة وأنا أشعر بالفخر والاعتزاز لكونى عضوا فى جماعة تدعو للحق والإيمان ولا تهتم بالحكم أو السلطان.
تلاحقت الصور وتوقفت عند آخر مرة التقينا فيها فى ميدان رابعة العدوية، وأنت تتصدر المشهد، داعيا لعودة حكم الإخوان وعودة الشرعية... وبرغم أننى لم أستطع أن أفهم لماذا نحرص على الحكم والسلطان إلا أننى لم أكن أملك الحجة للمناقشة، والكل يصرخ بلا أدنى تعقل حولى عن «الشرعية» التى كنت أرى «كمهندس» أننا إذا كنا الأغلبية فلا توجد مشكلة لنا فى أن نعود إلى الحكم عبر أى مسار ديمقراطى، وأن ذكاءنا كان يجب أن ينصبّ ليس على عودة الرئيس ولكن على ضمان نزاهة الانتخابات التى تحقق لنا عودة سهلة للحكم والسلطان.
استمر وجودى فى الميدان وأنا أرى كل يوم من يدعون للتصعيد، ولا أفهم ما نتيجة هذا التصعيد غير الاقتتال الذى نهانا الله عنه، والأدهى أننى بدأت أستمع لسلسلة من أحاديث الإفك حول وجود جبريل معنا أو أن محمد مرسى يؤم المسلمين فى وجود الرسول وهو ما لم يقبله حتى أبوبكر.
كنت أسمع أننا سلميون لكننى كنت أرى فى بعض الخيام بعض السلاح، وعندما كنت أسأل كان يقال لى إنه للدفاع عن النفس، وإنه لن يستخدم إلا إذا حاول البوليس إطلاق النار علينا، وبرغم عدم قناعتى بذلك؛ حيث إن أسلحتنا مهما كانت فلن تكون أبدا كسلاح البوليس والجيش وأن وجودها بيننا قد يكون مبررا للعنف ضدنا إلا أننى كنت كعادتى «أسمع وأطيع».
ومضت الحركة بسرعة إلى ذلك اليوم المشؤوم عندما بدأت الشرطة فى فض اعتصامنا وسمعت صوت طلقات الرصاص المجنونة ورأيت الإخوان من حولى يتساقطون، شعرت بالجزع وتأكدت أنها معركة خاسرة مهما كان من بدأها!
وبعد أن خرجت من الممر الآمن الذى فتحته الشرطة لنا كان يقينى أننا إذا أردنا أن ننتصر فلا يمكن أن يكون بالقوة ولكن بالسلمية فقط، وجاء رد الفعل العالمى ليؤكد صحة استنتاجى. وعندما صدرت الأوامر بمظاهرات الجمعة الأخيرة لى سعدت أنها أكدت على السلمية، وقررت دون أن أراك أن أشارك فيها.
ذهبت إلى مسجدى المحدد وأديت صلاة جمعتى الأخيرة وخرجت لأبدأ مسيرتى السلمية، لكننى نظرت حولى فوجدت من يحملون السلاح، وعندما حاولت أن أبدى اعتراضى ولأول مرة قناعة بأننا نتعلم من أخطائنا فقيل لى إن هذه تعليمات المرشد!!! فقلت إن العنف لن يولد إلا عنفا، وإذا بدأ فلن يتوقف وسنخسر جميعا... وجاء الرد مرة أخرى: هذه تعليمات المرشد وما عليك إلا السمع والطاعة!
فى المسيرة جاء صوت الرصاص مرة أخرى، لا أعرف من بدأ بإطلاق النار ولكنى كنت أعرف أنك أنت، والدى ذا الوجه الطيب، من أمر بحمل السلاح !!!
وجاءت الرصاصة إلى رأسى... وشعرت بالدم يتدفق منى... وعندما رأيت ملك الموت قادما ليقبض روحى شعرت أنك -دون قصد- من قتلنى لحظة أمرت بحمل السلاح فى المظاهرة التى كنت أفترض أنها سلمية، وتمنيت أن يتركنى ملك الموت للحظة لأقول لك: أرجوك يا أبى أن توقف جنون حمل السلاح فهو يحرقنا جميعا.