هذة قصة حقيقية يعرفها أهل الإسكندرية حيث توجد فى منقطة رشدى عمارة الكل يعرفها اسمها عمارة الأشباح، مهجورة منذ الستينيات، لا يقوى أحد على اقتحامها، وكل من سولت له نفسه أن يسكنها كان يواجه نهاية مأساوية، مثل الرجل اليونانى الذى سكن لمدة يومين، ثم اختفى هو وعائلته كلها فى حادثة مركب صيد،
أو الرجل الذى ألقى بنفسه من الدور الأخير بعد ليلة كان صراخه خلالها يشق سكون ساحل البحر الأبيض كله، أو العريس الذى فوجئ بعد ساعة من دخول الشقة مع عروسه ببقع دم تنسال من الجدران وقط كبير يطاردهما إلى أن استيقظا فوجدا أنفسهما، فاقدين الوعى فى الشارع شبه عرايا، دراما لا تنتهى، جعلت حارس العمارة يسد مداخلها كلها بالطوب والخشب حتى لا يدخلها أحد، تاركا للأشباح مهمة إدارتها دون تكدير.
كانت السنوات تمر ولا حديث عن العمارة إلا وقد اختلط بحكايات الرعب، لدرجة أن كل من يمر فى الشارع الذى توجد به العمارة كان يلتزم الأدب والهدوء ويسرع الخطا ويتحاشى حتى النظر إليها حتى لا يصيبه من أذى سكانها شيئا، كان هناك حفنة من البشر تولوا التنظير للعمارة مدعومين بلغة الثقافة الشعبية، كانوا حراسا مثقفين للأسطورة،
يدعمون بقاء الأشباح فى سلام منعا لأذى أكبر، منهم من كان يروج لفكرة أن أساسات العمارة تم صبها فوق مصحف وقع من يد أحد العمال فصارت ملعونة، ومنهم من يقول إن العمارة أنشئت بشراكة بين مصرى ومغربى وعندما نصب الأول على الأخير استعان المغربى بالسحر السفلى ليمنع المصرى من الاستفادة بالعمارة.
مرت السنوات وتحولت العمارة إلى أمر واقع لا يقوى أحد على مناهضته إلا سرا بكلمات نضالية عن الجهل الذى يطبق بأذهان جموع الجماهير، لكن كلماتهم كانت بلا أى تأثير، بل إنها كانت لعنة على أصحابها، إذ تحولوا فى نظر الجموع إلى أشخاص يتبجحوا على السحر والجن، وكلاهما ذكر فى القرآن.
وفى يوم ما استيقظت الإسكندرية على صفحة تم إنشاؤها على الفيسبوك، أنشأها شاب اسمه الزعيرى، يحرض الجموع على اقتحام عمارة الأشباح، كان عدد المشاركين فى الصفحة يزداد بمرور الوقت، إلى أن حدد المشرفون على الصفحة ساعة الصفر، وطالبوا الجماهير بالاحتشاد عند العمارة للقضاء على الأسطورة.
تجمع كثيرون هناك فى الموعد المحدد وكلهم حماس لتحرير الجميع من الوهم بمن فيهم غير المهتمين، تسلل الشباب عبر سور فيلا ملاصقة للعمارة، ثم دخلوا إلى العمارة واحدا تلو الآخر، كان بينهم من يحمل مصحفا وبينهم من يرفع الصليب، دخلوا إلى العمارة ثم غابوا قليلا، ثم خرجوا من جديد إلى الشرفات فصفقت لهم الناس بهستيريا.
نجحت المهمة وصور الشباب من الداخل كليبات تكشف للناس كم هى هشة هذه العمارة، وكم هو زائف هذا الخوف المسيطر، كانت الكليبات التى صورت بين الجماهير فى الشارع تتضمن طول الوقت رجلا كبيرا فى السن ممتعضا، مما حدث ويحذر من باب الجحيم الذى انفتح على الجميع، أو يبدى خوفه من العواقب المحتملة، خصوصا أن سكان المنطقة لم يشكوا من الوضع.
حدثت فوضى ما انزعج منها كثيرون، فتدخلت الشرطة تحت ترحيب كبار السن وتم إخراج الشباب، وإغلاق العمارة ولكن بصورة أكبر صرامة.
هنا شعر الشباب بالإحباط بعد أن فقدوا قصة تدعو للفخر عن الخوف الذى أزاحوه من قلوب الناس، من المؤكد أنك قادر على تخيل مدى حزنهم، وعلى تخيل مدى رضا كبار الناس عن أنفسهم وشعورهم براحة الضمير.
لكن الأمر الذى لن تستطيع أن تتخيله هو تلك الفرحة العارمة التى يعيشها الآن أشباح العمارة.