عندما يوضع الإنسان العادى فى موقف يتطلب الحسم بين المصلحة الوطنية والمصلحة الذاتية، ويختار المصلحة الشخصية، فإنه بذلك قد اختار ذاته الفردية على صالح الوطن والشعب كله، وبالتالى هذا الشخص مرشح لأن يعمل جاسوسًا ضد الوطن، وفى هذه الحالة يصبح خائنًا للوطن، بينما لو اختار ذاتيته بالانطواء والعزلة دون أن يشارك فى وطنه ودون أن يسبب ضررًا له ولشعبه، فإنه يكون أنانيًّا فحسب. وقد يقال ذلك على الشخص العادى، إلا أن الشخص العام عندما يوضع فى لحظة الاختبار الحقيقية بين مصلحة الوطن ومصلحته الشخصية، ويختار الأخيرة بحجج واهية، ومنها أن ضميره لا يسمح! وفى الوقت نفسه يسبب أضرارًا كبرى لوطنه فى لحظات خطر حقيقية، فبماذا يسمى؟!
فى تقديرى أن قاعدة الحكم على هذا النوع من الأشخاص هى أنه هروبى، ونرجسى، ويعمل لصالح الخارج، ويسمى عميلا خارجيا، أليس هذا مما يعد «خيانة عظمى» يحاسبه المجتمع عليها، وليس بالضرورة المحاسبة القانونية إلا إذا كان هناك ما يدل على عمالته الرسمية للخارج وتقاضى مبالغ مقابل ذلك، وبشكل موثق، حيث يعاقب القانون المصرى (العقوبات) على ذلك؟! والأرجح فى تقديرى أنه ليس «نبيلًا»، فالشخص النبيل هو الذى يقدم مصلحة الوطن مهما حدث على مصلحته الشخصية، وهو مثال للتضحية والذود عن النفس، مثل الجندى على خط النار فى مواجهة الأعداء، إن انسحب تكون التهمة خيانة عظمى والعقوبة الإعدام رميًّا بالرصاص. فهل يختلف هذا الوضع عما بدر من د.محمد البرادعى الذى قرر الانسحاب فى موقف عصيب، وقدم استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو موقع ما كان يحلم به قبل 30 يونيو 2013 على الأقل، ليقدم لأعداء الوطن فى أوروبا وثيقة على طبق من ذهب يضربون بها الوطن العزيز مصر بلا رحمة، ويطعن السلطة والشعب وإرادته الحرة فى مقتل؟!
والسؤال هنا: لماذا وافق على ما حدث فى 30 يونيو، وظهر فى المشهد مفوضًا عن جبهة الإنقاذ وبجوار رموز الدولة من الشباب؟! لو كان البرادعى رفض من البداية ثورة 30 يونيو واعتبرها انقلابًا، وقال ما فى الخمر عن الإخوان.. ما كان لأحد أن يتهمه بكل التهم، لكن طالما قبل ووافق على ثورة 30 يونيو، فعليه أن يكمل المشوار، أم أنه شعر بالسير فى الطريق الخطأ بما يتعارض مع الأجندة الأمريكية، فلقد شاركت يا برادعى فى توفير الغطاء الشعبى لثورة 30 يونيو التى قامت لإسقاط الرئيس الإخوانى غير الشرعى وإسقاط نظام الإخوان، ثم تصر فى أحاديثك خصوصا لـ«الواشنطن بوست» أن الإخوان لا بد أن يستمروا فى المشهد السياسى، ولا بد من الخيارات السياسية، ولا بد من عدم شيطنة الإخوان! فما قولك فى كل ما نراه أيها البرادعى من حوادث عنف إخوانى وأنصارهم المتأسلمين؟!
إن الذين يرونك «نبيلًا» من أمثال خالد داوود وقلة معه كعمرو حمزاوى وآخرين، ممن عملوا فى أمريكا وعيونهم على صناع القرار هناك، وقلوبهم هناك وليس مع الوطن، وكان الله فى عونهم باعتبارهم يمثلون الطابور الخامس الأمريكى الذى يعمل لإجهاض ثورة 30 يونيو ويصرون على التعامل مع الإخوان وكأنهم هم الآخرون نبلاء! إن هذه القلة هى من ركبت ثورة 25 يناير 2011، وحاولت أن تكون ثورية وقدمها الإعلام بهذه الصفة حتى سقطوا فى الاختيار، ولا ينسى «داوود» أن تصريحه فى ليلة الخامس من ديسمبر 2012 باسم جبهة الإنقاذ الرمادية ومنسقها محمد البرادعى، سحب الغطاء عن الثوار فى دخول القصر الجمهورى (الاتحادية)، وهو الذى تسبب بعد ذلك فى مذبحة الاتحادية على يد ميليشيات الإخوان، فماذا كان موقف البرادعى آنذاك؟! هل نسيتم أن مرسى هرب من القصر آنذاك وكانت لحظة تاريخية لسقوطه.. دمرتم بتصريحاتكم حلم الثوار وحركتهم!
وللعلم، فقد كنت من بين 30 شخصية التقت البرادعى بعد وصوله من فيينا فى منزله بقرية جرانة عام 2010، وحفزناه على العمل، وكان يصر على العمل عن بعد وبالريموت كنترول وبالأحاديث الصحفية وبنظرية العمدة، الذى يجلس فى الدوار يأمر وينهى والخفر ينفذون دون تفكير.. ولم يعمل معه أحد ابتداءً من د.حسن نافعة، منسق أول جلسة للقوى السياسية معه، وانتهاء بأحمد دراج وجورج إسحق ومصطفى الجندى وعلاء عبد المنعم (مؤسسى حزب الدستور)، إلا واختلف معه وتركه!
وختامًا، فإن موقف البرادعى ليس بريئًا وليس نبيلًا، وبقراره الهروبى التآمرى انتحر سياسيًّا وشعبيًّا وخرج من المشهد السياسى بلا عودة، رحمة الله عليك سياسيّصا، لأنك لم تكن كذلك، بل موظف ينفذ التعليمات.. الثورة مستمرة حتى النصر.. وما زال الحوار متصلًا.