تأجلت مواعيد كل المهرجانات السينمائية، القاهرة والأوروبى والأقصر، بسبب الدواعى الأمنية، بينما المهرجان الوحيد الذى حرص صُناعه على استمراره، رغم أنه تقع فاعلياته فى توقيت الحظر من 11 سبتمبر وعلى مدى خمسة أيام فهو «الإسكندرية».
كل المهرجانات الأخرى كانت من المفروض أن تفتتح فعليا بعد نهاية الموعد الرسمى لتطبيق الحظر بعدة أسابيع أو شهور ورغم ذلك لم تجرؤ على إعلان استمرار الفاعليات، ولهذا ينبغى أن نقف مبهورين بهذا القرار الشجاع الذى اتخذه المسؤول عن مهرجان الإسكندرية، خصوصا أن الهدف المعلن هو توصيل رسالة للعالم يقول من خلالها إن الفن يقاوم الإرهاب، فى الحقيقة كلام جميل جدا وكلام معقول جدا جدا، هدف المهرجان إذن هو توصيل رسالة للعالم تؤكد أن مصر بخير، هذه الرسالة العظيمة من الممكن أن تصل للعالم كله بدون أن تتكبد الدولة التى تعيش فى ضائقة مالية قرابة 2 مليون جنيه رصدتها وزارة المالية للمهرجان، والتى سيتم استنزافها على الأرض بدون أن يصل المهرجان لمستحقيه، أقصد للجمهور المستهدف وهم أهالى الإسكندرية. المهرجان لا يقام للصحفيين والنقاد والفنانين الذين يتم اصطحابهم من القاهرة ولكن للجمهور، فهل جمهورنا فى تلك اللحظات مهيأ نفسيا للذهاب إلى دور العرض، خصوصا أنه طبقا للقانون لا يستطيع مغادرة بيته مساء، وعليه أن يبدأ من الخامسة عصرا لو كان فى الشارع فى وضع الخطة المحكمة للعودة للمنزل، ولا يمكن لأى مسؤول إلا أن يتعامل وفقا لهذه الحقائق، هناك احتمال مثلا أن تتغير مواعيد العمل بقانون الحظر، ربما يتم تخفيض عدد الساعات ربما، ولكن لا يمكن أن يتم وضع خطة تحت رحمة«رُبَّمَا».
فى الحقيقة لن نقيم مهرجانا به أفلام وندوات ولقاءات ونجوم وعروض ممتدة كما هو مفترض حتى الواحدة فجرا ولكن طبقا للقانون فإن آخر حفل سينمائى تسمح به الدولة هو حفل الثالثة عصرا، ولو راجعنا أرقام العام الماضى سنكتشف أن جمهور الإسكندرية لا يذهب لمشاهدة أفلام المهرجان، وأنه بعد تطبيق قانون الطوارئ لم يعد يذهب أصلا للسينما ومزاجه النفسى غير مهيأ على الإطلاق.
وتبقى الرسالة العظيمة التى نريد أن نوصلها للعالم، وهى أن مصر بخير وتلك من الممكن أن نحققها بأقل القليل من النفقات ويستطيع المهرجان أن يخاطب وزارة المالية ويضرب مثلا يحتذى فى الحفاظ على المال العام ويطالب بتوجيه هذا المبلغ لأسر ضحايا رفح، تخيلوا قوة هذه الرسالة عالميا، وفى نفس الوقت يتم اختصار زمن التظاهرة إلى يوم واحد ويستطيع النجم الكبير محمود عبد العزيز ابن محافظة الإسكندرية رئيس شرف المهرجان أن يجمع أغلب فنانى مصر فى هذا اليوم، وأن يقدموا مع عدد من فنانى العالم إذا كانوا حقا سيأتون من كل فج عميق كما تؤكد إدارة المهرجان ونعلن للعالم كله أن فنانى مصر، بل والعالم أجمع جاؤوا إلى الإسكندرية وأننا ندين التطرف والإرهاب.
هناك بالتأكيد مأزق لوزير الثقافة صابر عرب، فهو لم يدرك هذا التناقض، كيف يوافق على أن يتم تأجيل مهرجان القاهرة السينمائى لدواعٍ أمنية، والذى كان مقررا إقامته فى نهاية شهر نوفمبر وفى نفس الوقت يوافق على أن يرعى مهرجانا آخر يقام فى توقيت أشد خطورة. الرجل منذ التجديد له لثالث مرة وزيرا للثقافة وهو يعيش خارج الزمن، ولكنى أرى أن محافظ الإسكندرية الجديد اللواء طارق البدوى والذى يقام المهرجان تحت رعايته من الممكن أن يتبنى تلك الفكرة وتصل الرسالة للعالم، وفى يوم واحد يبدأ من الصباح ويتم فى البداية تكريم الراحلين رفيق الصبان أحد أهم علامات النقد والسيناريو والمخرج الكبير الراحل ابن الإسكندرية توفيق صالح أيقونة السينما العربية، ويُعرض فيلم قصير أفضل حالا بالطبع من الفيلم الهزيل الذى عرضته وزارة الثقافة فى ما أطلقوا عليه قبل أيام مؤتمرا عالميا فجاء فضيحة بجلاجل. أعلم بالطبع أن هناك دعوات أرسلت ومن سيأتى إلينا فى تلك الظروف غير المواتية يجب الاحتفاء به، ولكن لا يمكن أن نخدع أحدا ونعلن أننا نقيم مهرجانا.. إنها فقط رسالة نبيلة نبعثها للعالم، وهى أن مصر بلد الأمن والأمان، وفى نفس الوقت نوقف نزيف المال العام!