لا أعرف لماذا يتصور البعض أن انتقاد آراء بعض الحقوقيين هو انتقاد لحركة حقوق الإنسان أو انتقاص من أهميتها ودورها. الحقيقة أن الذى انتقص من قيمة الحركة هو من استخدمها فى صراع سياسى منحاز. الذى ننتقده ونلوم عليه هو الخطاب المسيَّس الذى يستخدمه البعض مؤخرا، تارةً للدفاع عن حقوق الإخوان وحقهم فى المشاركة فى العمليه السياسية، لأنهم فصيل سياسى موجود وإنكار نفس الحق على الأعضاء السابقين فى الحزب الوطنى مثلا، وتارةً فى الهجوم على الجيش والشرطة مع تجاهل شبه مقصود لاعتداءات وجرائم الإخوان قبل وفى أثناء وبعد فض الاعتصامات المسلحة، بل حتى رفضهم رؤية ما هو واضح للعيان والإصرار المريض على اعتبار الاعتصامات سلمية!
إذا كانت عودة الحزب الوطنى المنحل إلى الحياة السياسية ستفسدها وسترجع بنا إلى المربع صفر، فماذا ستفعل مشاركة الإخوان مرة أخرى؟ هل ستعطى الحياة السياسية فى مصر قُبلة الحياة؟!
توثيق الانتهاكات مهم فى عمل الحقوقيين، لكن عندما يكونون انتقائيين ولا يفرّقون بين المعتدى والمعتدَى عليه فيتوجب علينا تنبيههم. انتقاد الخطاب الحقوقى المسيَّس هو ما نقوم به الآن. خصوصا أن الصحافة المستقلة كانت دومًا أول المدافعين عن الحقوقيين والنشطاء السياسيين وأكثر الفاضحين لانتهاكات الحكومات لحقوق الإنسان.. كل الحكومات دون تمييز.
إذن، هذا توقيت جيد كى نتصارح، فلا دولة تطارد الحقوقيين ولا حكومة تلاحق منظمات حقوق الإنسان، بل ها هى تضع رموزا محترمة من حركة حقوق الإنسان على مقاعد المجلس الأعلى لحقوق الإنسان فى خطوة ممتازة ومهمة.
هذا وقت مناسب جدا كى أزفّ إليكم خبرًا مهمًّا بأن هناك فارقا هائلا بين الحقوقىّ والناشط السياسى. المشكلة أن كثيرين من زملائنا وأصدقائنا العاملين بمجال حقوق الإنسان يخلطون بين الصفتين ويتحدثون طوال الوقت بلغة السياسة لا بلغة الحقوق.
من هنا تأتى حالة الالتباس كما حالة الصدمة من صدور آراء تضرب قيم حقوق الإنسان من هؤلاء حاملى دعوتها.
من العجيب المريب مثلا أن يرفض حقوقىّ خروجًا قانونيًّا لمتهم اسمه حسنى مبارك ويشنّ حربا ضروسا على إخلاء سبيله الذى صدر من محكمة قضائية، ويطالب هذا الحقوقى بخرق القانون وشروط العدالة واستمرار حبس الرجل، فقط لأنه يكرهه أو يكره سياسته أو ضمن من ثار ضده.
طيب والقانون؟!
طيب وحقوق الإنسان يا أخ؟!
لا ليست مطروحة.. وإذا تفذلك وردّ عليك فيقول إنه يدافع عن حقوق الشهداء، وأنا لا أعرف سبيلا للدفاع عن حقوق شخص بانتهاك حقوق شخص آخر، أو الدفاع عن مجنىٍّ عليه بانتهاك حقوق جانٍ محتمَل.
هذه مخالفة حقوقية لا تمتّ بصلة إلى قيم العدالة إطلاقا.
ليس هذا فقط، بل الأخ الحقوقىّ نفسه أو غيره يصرخ ضد عودة أفراد غير مدانين بأى تهمة وغير متهمين بأى جريمة من الحزب الوطنى المنحل للحياة السياسية، بينما يلحّ ويخوض حربا صليبية من أجل دمج الإخوان المسلمين فى الحياة السياسية ويعطى دروسا فى رفض الإقصاء والاستئصال السياسى.
أليس فى هذا تناقض كاشف تماما للهوى والغرض والمرض الذى يحكم عددا من هؤلاء الحقوقيين الذين هم ليسوا حقوقيين ولا نيلة، بل هم نشطاء سياسيون؟!
الناشط السياسى بقى من حقه يقول ويعكّ كما يريد، يتناقض ويخرّف ويروح وييجى، فهذا رأيه وموقفه السياسى ولنحاسبه عليه فى حدود أنه رأى سياسى، أما أن يضفى النشطاء على أنفسهم صبغة الحقوقىّ كى يوفر احتراما لرأيه الهشّ فهذا محض السخافة.
الثابت أن هناك منظمات جنجو «gngo» تملأ حياتنا، وطبيعى أنها تضم حقوقيين «جنجو» كما أنها «جنجو» أيضا.
وهذا المصطلح يشير إلى منظمات مجتمع مدنى يؤسسها وينشئها موالون وأعضاء ومسؤولون فى حكومات ودول، ولا يمكن أن تكون مستقلة أو حرة من السياسة الحكومية. ويستخدمها هؤلاء لشق المجتمع المدنى أحيانا أو إعادة توجيهه، وهو نفس ما يحصل من الإخوان مثلا، الذين أسسوا وأنشؤوا منظمات حقوقية بذلت جهدا لإخفاء غرضها الحقيقى، ضمت الطيب والمثالى والانتهازى وطبعا الإخوانى، وهى مُغْرِضة من اللحظة الأولى، تخدم الإخوان وليس حقوق الإنسان إطلاقا. كما أن هناك منظمات ملعوبا فيها بالتمويل والتوجيه الناعم أو المباشر وهى مشبوهة حتى بين الحقوقيين أنفسهم.
هؤلاء جميعا ينغرسون فى وحل السياسة ويستغلّون حقوق الإنسان وينكشفون فى أيام صعبة مثل أيامنا هذه.