تتساقط رؤوس قيادات الإخوان المسلمين فى قبضة الأمن واحد تلو الآخر, وياللعجب فبمجرد القبض عليهم سقط القناع وخرت قواهم الوهمية التى كانوا يستعرضونها كل ساعة أثناء اعتصامهم فى رابعة العدوية والنهضة, لدرجة تخيلنا معها أن الناصر صلاح الدين يُبعث من جديد, فى ظل الخطاب الدينى الملتهب بالحماسة والدأب دون كلل أو ملل, تصدعت رؤوسنا على مدار أكثر من خمسة وأربعين يوما هى عمر الاعتصام بصراخ التهديد والوعيد الذى كانوا يلوحون به صباح مساء بحرق البلاد والعباد حتى يعود الرئيس المعزول محمد مرسى إلى القصر مرة أخرى.
تبرأت بعض رؤوس الإخوان التى تم قطافها من تهمة الانتماء إلى الجماعة, وأقسم الدكتور صفوت حجازي بأغلظ الأيٌمان، نافيًا أن يكون عضوا فيها, رغم انتسابه لها فى سن مبكرة وذلك باعتراف واضح وصريح منه لقناة الجزيرة مباشر, غير أنه ببساطة وانسيابية تنصل من هذه العضوية وكأنها سبة أو عار لحق به, «فعن أى جهاد كان يتحدث من أعلى منصة رابعة وإلى أى عقيدة ينتمى؟». أما سعادة المرشد الموقر، الدكتور محمد بديع، فقد كان أكثر ذكاء وتبرأ من كل قيادات الجماعة، وأرجع المسؤولية الأمنية وحماية مقر الإخوان فى المقطم إلى الدكتور محمد البلتاجى, ناهيك عن الخلايا النائمة التى ظهرت فجأة وتغولت بحكم الاستفادة من نظام جديد قائم وفر لها مقومات الظهور الإعلامى والبروبيجاندا، أمثال الدكتور مراد على, الذى احتسب نفسه على الجماعة وهو ليس منها, فكانت محاولة الهروب الفاشلة إلى إيطاليا بالنسبة له أفضل الحلول وأسهلها, أما الشيخ عطية، صاحب المطبعة المتواضعة فى منطقة حدائق القبة، الشهير بعبارته النارية «أنا بنذرك يا سيسي.. «هنفجر مصر» فقد اعتبر هذا الإنذار فى اعترافاته الوادعة المسالمة رسالة تحذير للفريق أول عبد الفتاح السيسي, خوفًا عليه وليس ضده.
وتوالى مسلسل السقوط بالقبض على الدكتور أحمد أبو بركة والدكتور حسن البرنس ومصطفى غنيم وغيرهم ولا يزال البحث مكثفًا عن البلتاجي وعصام العريان, غير أن سقوط بعض قيادات الإخوان, أثبت بالدليل القاطع أنهم باعوا بعضهم بأبخس الأثمان, بما يؤكد أنهم تنظيم بلا مبدأ, وجماعة متهاوية، رغم ما تبدو عليه من تماسك وصلابة, وإلا فما هو تفسير إلقاء التهم على بعضهم البعض حتى ينجوا بأنفسهم, وتنصلهم من مواقعهم القيادية والتنظيمية التى طالما تفاخروا بها فى أحاديثهم المستفيضة فى وسائل الإعلام.
فهل كانوا يعتقدون بأن فاتورة طوق النجاة هى خيانتهم لأنفسهم وتنظيمهم وانتمائهم؟ وهذا الأمر يدعونا للتساؤل من جديد, هل بنيت عقيدتهم التنظيمية على أسس هشة إلى هذا الحد الذى ظهرت فيه اعترافاتهم, والتى هى عار عليهم قبل غيرهم من قواعدهم المضللة المستلبة عقولهم؟ أم أنها اعترافات تكتيكية سيظهر قادم الأيام المزيد من المفاجآت نحوها.
لقد اهتز العرش من تحت أقدامهم, بعد أن ذاقوا لذة الحكم , فخرجت اعترافاتهم حائرة متخبطة لا تنم عن حجم الصلابة التى أبدوها أثناء الاعتصام, ولو رجعنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا, لوجدنا أن رئيسهم المعزول، الدكتور محمد مرسى، نفسه كان متناقضا ومجافيا لفكره وعقيدته حتى لو كان من باب المداهنة السياسية التى تستوجب المرونة والتحايل على المواقف, وليس أدل على ذلك من رسائل التطمين الشهيرة فى بداية حكمه, الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ورئيس الدولة، شمعون بيريز، المذيلة بعبارات غريبة ليست لها علاقة بالأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها على شاكلة «عزيزي .. وصديقي الوفي».
كل هذه الأمور كشفت عن الوجه القبيح لسياسة الإخوان المسلمين, القائمة على الانتهازية والتحريض دون مبدأ راسخ أو إيمان بعدالة قضيتهم, بل كانت أهدافهم الواضحة هي اقتناص السلطة والحفاظ عليها حتى لو كان الثمن التحالف مع الشيطان وبيع الوطن, وهل هناك شيطان أعظم وأخطر على الدولة من أمريكا وحليفتها إسرائيل.
إن شظايا قواعد الإخوان الآن محلقة فى سماء البلاد طليقة دون ضوابط, تعيث فى الأرض فسادًا تقتل وتسحل المواطنين المناوئين لهم وتناصبهم العداء فى كل مكان وتحرق الأخضر واليابس, هي حلاوة الروح كما يقال, فالورقة الأخيرة في أيديهم التى يلوحون بها من إشاعة الفوضى في أرجاء مصر, وبث الرعب والذعر في قلوب المواطنين هو النزع الأخير من حالة الإفلاس السياسي الذي وصلت إليه الجماعة- لاغية فيها قلبها وعقلها عن الحقيقة – والتى للأسف ستجر البلاد إلى أتون الصراع الدموي الممنهج, بل ستترك في النفوس غصة عميقة لن تسقط بالتقادم ولن تمحوها من الذاكرة دعوات التصالح التي يطالب بها البعض, بل إنها ستترك- إذا ما استمرت أكثر من ذلك- جرحًا غائرًا لن يندمل بسهولة مهما حاولنا, وألمًا دفينًا ستنكأه أي أحداث لاحقة مهما صغر حجمها أو تأثيرها ..
لك الله يا مصر ولله الأمر من قبل ومن بعد.