لماذا سقط الإخوان إلى غير رجعة؟
هناك أسباب منطقية مباشرة، وأسباب كونية ميتافيزيقية أؤمن بها ولا ألزم غيرى بالإيمان بها.
السبب الميتافيزيقى يتلخص فى: إن الله لا يهدى كيد الخائنين. وقد كنت كتبت هذه الآية ناصحة بها جماعة الإخوان. كانت فضيحتهم سريعة ومدوية لأنهم تخفوا خلف اسم العلى القدير. قد تتخفى خلف قيم، أو مبادئ، أو شعارات، أو ما دون الله فيمهلك، لكنك حين تتخفى خلف الله فقد أجرمت جرمًا فادحًا ليس له عقاب سوى فضيحة الدنيا وخزى الآخرة.
قبل عزل مرسى كتبت له فى حسابه على موقع «تويتر»: وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال.
وها أنا أعيد تلاوة الآية للقائمين على الأمر ولمشجعيهم.
بعد أن تبين لى فداحة خيانة الجماعة للوطن أحمد الله على سرعة انكشافهم وسقوطهم. لكن الجماعة سقطت لأسباب موضوعية، يسير على نهجها بعض القائمين على الأمر، أقول بعض القائمين لأننى حقيقة لا أعرف من يحكم البلاد بالضبط، وأغلب الظن إن البلاد تدار شركة بين عدة أطراف، وهذا حسن حتى لا ينفرد طرف بالقرار كما كان يحدث فى السابق. لكننى هنا أود أن أذكر بأخطاء الجماعة التى أدت إلى انكشافها وسقوطها:
تحالفت الجماعة فى البداية مع بعض القوى، التى يطلق عليها أحيانًا مدنية، وأحيانا أخرى ثورية، وحين يقع الغضب عليهم يقال «العيال»، وكان من نصيب الجماعة سقوط النظام الذى طالما حظرها واعتقل أعضاءها. وما إن تمكنت الجماعة من بعض من القوة أدارت لـ«العيال» ظهر المجن، واتهمتهم زورًا وبهتانًا بمعاداة القوات المسلحة والرغبة فى كسر الجيش. ثم عادت وشعرت بالخطر فأعادت حلفها مع هؤلاء «العيال»، الذين لنقاء بعضهم وغباء البعض الآخر قبلوا الحلف مع الخائن، وأطلقت الجماعة شعار: قوتنا فى وحدتنا، حتى وصلت إلى السلطة فاستبدلته بشعار: موتوا بغيظكم، ونقلت ثقلها إلى التحالف مع المجموعات السلفية التى عرفت بتشددها، إلى جانب عمالتها القديمة لأمن الدولة.
أخشى أن يكون هذا هو ما يحدث الآن. فقد تفتق ذهن هؤلاء «العيال» عن فكرة جمع التوقيعات لسحب الثقة من الجماعة الخائنة، وأطلقوا عليها اسم «تمرد» وهو اسم طالما استشاطت قوى الدولة منه غضبًا، لكن قوى الدولة، التى سماها الإخوان بالدولة العميقة، وأطلق عليها البعض لقب «الفلول»، وقال عنهم البعض «الكنبة»، واحتار فى توصيفهم الناس، فهم فى كل الأحوال تلك القوى التى لم تشارك فى ثورة 25 يناير، لكن لديها من المال والقوة ما يكافئ حسن تنظيم الجماعة إذا ما دارت المعركة. فاضل الثوار بين الاثنين فوجدوا إن مصلحة مصر فوق مصالحهم الشخصية، وانحازوا إلى الدولة المصرية أيا كانت الأثمان الباهظة التى تنتظرهم ليدفعوها. قالت هذه القوى فى البداية: كلنا مصريون، وكلنا ضد الاحتلال الإخوانى. وما إن سقط الإخوان حتى ظهرت بعض الوجوه القميئة التى طالما أراقت دماءً بألسنتها لتخاطب الرأى العام: انسوا بقى ثورة 25 يناير.. 30 يونيو الثورة الحقيقية.. بل بلغ الأمر ببعض هذه الوجوه إنها طالبت بعودة أمن الدولة.
يذكرنى هذا بموقف الإخوان الذين كانوا يهتفون فى الميدان: إيد واحدة، وما إن سقط مبارك حتى فوجئنا بهم يهتفون: إسلامية إسلامية.
هؤلاء «العيال» الذين يستهين ويستعين بهم الجميع، بداية من الإخوان، وانتهاء بالقوى المؤسسية للدولة، هم رمانة الميزان، الذين ما خسرهم أحد إلا وخسر فى مصر والعالم العربى. هم «عيال» صحيح، لكن خسارتهم تعنى خسارة المعركة لأسباب عدة:
أولا: هم الأصدق، فهم المستعدون دومًا للموت من أجل مصر، وليس من بين القوتين المتصارعتين الآن على الساحة من هو مستعد للموت من أجل مصر سواهم. ثانيا: ظهورهم للحائط، فلا هم أحلاف أمريكا، ولا يحصلون على معونة، الأمر الذى يعنى بأن عيونهم ليست مكسورة، ولا توجد قوة فى العالم تملك الضغط عليهم، أو التفاوض معهم، بل هم القوى التى يستند إليها الحاكم الفطن فى أثناء تفاوضه مع القوى العالمية، وهم الفئة التى تعطى دعمًا قويًّا للمفاوض كى يحصل على أفضل الشروط، وهم حجة الحاكم فى عدم التنازل أمام الغرب، إن كان حقًا لا يرغب فى التنازل. ثانيا:
هذه المجموعة ليس لديها أى أطماع شخصية، ولا ترغب إلا فى تحسن أحوال البلاد، وإن ساءت أحوالهم هم، فكيف بالله عليك تطلب منهم أن ينسوا جثث أصدقائهم التى دفنوها، إنما هم ثاروا على الظلم لوجه الله لا يريدون منكم جزاءً ولا شكورا، فلا داعى لشراء عداوتهم. اللى بييجى عليهم ما بيكسبش