مما لاشك فيه أن موقف وتحرك السعودية قد أثر تأثيرا عظيما فى ضبط ميزان القوة فى المنطقة وفى تخفيف الأحمال الدولية عن مصر فى تلك اللحظة الصعبة، فلهجة العاهل السعودى كانت واضحة بما يمنع عنها التأويل، وتحرك وزير خارجيتها كان محددا، مترجما استنفار المملكة، ولكن، وعلى نفس درجة الأهمية، يأتى سؤال مستقبل ذلك التحرك السعودى، بمعنى: هل ستحدث تغييرات جذرية فى إعادة ترتيب المنطقة وفى تمركز أصحاب القوة والنفوذ فيها، انطلاقا من هذه النقطة، أم أن هذا التحرك سيكون لحظيا غير ممتد، وينتهى مساره بانتهاء المهمة التى انطلق بسببها؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعود إلى بعض الخلفيات، فأولاً: السعودية كانت لاعبا كبيرا مع العراق، فى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى، فى تشكيل «حلف بغداد»، بالتعاون مع إنجلترا، لتخوفها الشديد من المد القومى لتجربة «عبدالناصر» فى مصر، وعملت جاهدة على محاصرة تلك التجربة، حفاظا على عرشها ومصالحها، وقد تغير هذا الموقف نسبيا، بعد العدوان الثلاثى على مصر، والذى شاركت فيه إنجلترا، زعيمة الحلف، وصار موقفها فى تغير، حتى صار فى قمة دعمه لمصر فى حرب 73.
ثانيا: اتخذت السعودية موقفا ضد مصر والثورة المصرية، لنفس الأسباب القديمة، وللتخوف من المد الثورى، والآن تغير الموقف تماما، حتى وصل إلى قمة الدعم، متناغما مع تغيرات طرأت فى مصر والمنطقة، وليس بناء على استراتيجية.
ثالثا: تعاظم دور قطر فى المنطقة، وبانت ملامحه، منذ تدخلها فى أزمة لبنان، منذ عدة سنوات، وانتهاء بدورها القذر فى مصر، وكلها أدوار على حساب السعودية، وكلها أيضا أدوار لحساب أمريكا، أدوار مدفوعة الأجر وبالإنابة، ثبتت بها قطر قدميها فى الخريطة العالمية.
رابعا: المنطقة فارت من حول السعودية كبركان، سوريا - العراق - مصر، واكتشفت أن صمتها أو دورها الضعيف، واعتمادها المطلق على وعود الأمريكيين قد استقدم لها العفريت على حدودها، فإيران صارت حاكمة للعراق، على خلفية تدخل أمريكا الفاشل فيها، وإيران أيضا حاضرة فى سوريا، على خلفية حذر أمريكا من التدخل- بالنسبة لهم طبعا- حتى صارت النتائج فى سوريا كلها ضدهم.
خامسا: كان زائدا عن الاحتمال بالنسبة لهم قبول دعم أمريكا للإخوان المسلمين، وتقوية شوكتهم فى المنطقة، بما يهدد عرش ملكهم، ويضرب مباشرة فى مصالحهم الإقليمية، ولم يعد هذا الدعم مقبولا على الإطلاق، بعد سقوطهم فى مصر، فبالنسبة لهم كان على الأمريكان أن يضعوا فى أعينهم حصوة ملح، ويراعوا مصلحة السعودية، ويكفوا عن دعمهم، بعد سقوطهم على الأقل.
وكما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد التفكير الآن فى منهجها الذى اتبعته فى منطقة الشرق الأوسط، وتدقق، لكيفية الخروج من تلك الورطة التى ورَّطوا أنفسهم فيها، فالآن أيضا يمكن أن يكون توقيتا مناسبا لإعادة رسم العلاقات البينية بين مصر وبعض دول الخليج، بما ينعكس على إعادة ترتيب الأوضاع فى المنطقة، بشرط أن تتوافر الرغبة لدى تلك الأطراف لصناعة ذلك، وبشرط ألا يتم التعاطى مع الأزمة الحالية على أنها «قرصة ودن» متبادلة سواء بين مصر وأمريكا أو السعودية وأمريكا، وبالقطع فإن تطورا كهذا ليس سهلا على الإطلاق، فإعادة صياغة ما تم ترسيخه وتثبيته لسنوات صعب للغاية، ويحتاج إلى إرادة صلبة مرتكزة على حقائق الأرض والقوة، ولكن فى نفس التوقيت، يمكن أن تكون مصلحة كل دولة على حدة، والتى جعلتها فى لحظة فى معسكر واحد، تكون هى الدافع لبدء التفكير فى صياغة جديدة، خصوصا مع تصدع المشروع الأمريكى، واهتزاز موقفها فى المنطقة.