بعد القبض على قتلة الدكتور فرج فودة رحمه الله، سأل المحقق واحداً منهم: لماذا اخترتم ليلة العيد لإطلاق النار على الرجل؟
فأجاب: لنحرق قلب أهله عليه أكتر. كانت هذه الجملة هى مفتاحى لفهم آليات التفكير عند المتطرف الإرهابى، حرق القلوب هو هدفه الأساسى، وهو ما سيحدث فقط فى لحظات الفرحة، والعيد كما تعرف فرحة، وفرحة الناس بحياتها وإنجازاتها هى مصدر أكيد للفرحة يرى المتطرف أنه لابد من ضربها لأنها تشعره بالألم. وباستخدام هذا المفتاح كان من السهل علىّ أن أتعرف على ملامح الفاعل فى حادث بوسطون قبل أن تصل إليه الــ FBI بأربعة أيام ونشرت ذلك فى هذه الزاوية بعنوان ضرب الفرحة. المتطرف يمشى فى طريق العدم، وبقية خلق الله يمشون فى طريق الحياة وهذا هو ما يشعره بالألم. أريدك أن تدرس حادث اغتيال جنود الأمن المركزى بالقرب من رفح، ستكتشف بسهولة أن ما ارتكبوه من جريمة نكراء، لم يكن انتقاماً من رجال الشرطة بسبب أحداث سابقة، بل هو جريمة ارتكبت بدافع من الرغبة فى الجريمة. وهى الرغبة التى يغذيها خلل عقلى مرضى يجعل من المتطرف آلة تدمير غير قابلة للإصلاح. أعتقد أن القتلة اتخذوا القرار باغتيال هؤلاء الجنود بعد أن اتصلت بهم مصادرهم، ووصفت لهم حالة الفرحة التى كان الجنود يشعرون بها على المقهى فى العريش.
الذين أدوا الخدمة العسكرية الإجبارية هم فقط من يعرفون قدر الفرحة التى يعيشها المجند عند اقتراب نهاية خدمته. هى فرحة من نوع خاص جداً لا يمكن مقارنتها بفرحة أخرى. إنها لحظة ميلاد وخروج إلى الحياة والتحقق فيها كإنسان فرد. لقد ظل لثلاثة أعوام يعمل كترس صغير فى ماكينة كبيرة تعمل فى الدفاع عن المجتمع فى حياة تتسم بالقسوة والخشونة، والآن جاءت اللحظة التى يتولى فيها صنع حياته بالشكل الذى يروق له.. يالها من فرحة!!. الآن شعر القتلة بالارتياح لتلك النار التى أشعلوها فى قلوب المصريين جميعاً. ولكن القصة لم تتم فصولاً، هم لم يشعروا باللذة فقط، بل يشعرون بارتياح أكثر لما سيفعله بهم المصريون ممثلون فى جيشهم وشرطتهم، هم يسعون إلى حتوفهم، يريدون تحقيق العدم، هذا هو مطلب المتطرفين بشكل عام، والمصريون سوف يلبون لهم هذه الرغبة. هذا هو ما يريده المتطرف الإرهابى فى حقيقة الأمر، لذلك هو يلجأ لارتكاب أنواع خسيسة من الجرائم تدفع المجتمع كله للاحتشاد والقضاء عليه. القتلة فى هذه الواقعة يريدون ذلك والقتلة فى كرداسة يريدون ذلك. إن قدر الوحشية فى جريمتهم فى كرداسة يجعل من المستحيل على أحد، أى أحد، أن يشعر حيالهم بالرحمة. لن يبكيهم أحد حتى ولا أهلهم إذ لا أهل لهم ولا عشيرة ولا وطن. هؤلاء قطعة من الجحيم ألقى بها الزمن بيننا على الأرض، وعلينا أن نعيدهم إلى العنوان الذى ينتمون إليه، حيث يسكن الزبانية.