الفترة الماضية علمتنى أمورا كثيرة.. منذ 25 يناير التى يطلق عليها البعض «ثورة» ويطلق عليها البعض الآخر «موجة أولى من الثورات»، ويطلق عليها فريق ثالث «نكسة»، وهناك حالة فرز تحدث للمجتمع المصرى.. حالة فرز تحدث للنخبة والمشاهير، وحالة فرز ثانية داخل كل منا لمن يحيطون به من المقربين قبل البعيدين.. داخل الأسرة الواحدة تجد شقاقا حادثا.. فقبل 25 يناير كانت عائلات ليبرالية ترتضى تزويج بناتها من الإخوان المسلمين، مؤمنين بأنهم «بتوع ربنا»، وسوف يصونون بناتهم ويرعونهن ويحسنون معاملتهن.. ما أقصده أنه قبل 25 يناير كانت فكرة التعايش مع الإخوان مقبولة إلى حد كبير، وكان الإحساس العام أنهم الأكثر اعتدالا والأكثر تعرضا للظلم.. على الرغم من أنهم كانت لهم مقاعدهم فى مجلس الشعب، وهم من عرفوا الشعب المصرى معنى السكر والزيت، ومعنى شراء الأصوات الانتخابية، ومعنى أن تتاجر فى الدين، وتسخر المساجد من أجل الدعاية الانتخابية، وترسل الأخوات للأرامل والمطلقات، وتستغل حاجتهن للمال.. المهم أن الدنيا عندما انقلبت يوم 28 بدأت تظهر بعض المشاعر الغريبة على الشارع المصرى مثل مشاعر الكراهية.. والحقيقة أن الإخوان ليسوا وحدهم المسؤولين عن هذه المشاعر السلبية.. فهناك أيضاً الفصيل الثورى الذى بدأ يطالب بمحاكمات ثورية تحاكم الجميع من منظور حالى.. يعنى أحاسبك على ماضيك بما أريدك أن تؤمن به اليوم، وبما لم أعترض عليه بالأمس، وبما لم أكن أو تكن تعلم عنه أصلا.. وأريد لكل من هم حولى أن يكونوا مثلى، ويؤمنوا بآرائى أنا.. ما فعله الإخوان وبعض الثوار من شماتة فى رموز النظام السابق، عندما رفعوا الأحذية، ونشروا فيديوهات مسيئة، وانتشرت عمليات الاغتيال المعنوى من تشويه للصورة ومعلومات مغلوطة مثل حكاية السبعين مليارا، الخاصة بمبارك التى نفاها على قناة «العربية»، وعندما خرجت على الناس، وطرحت سؤالا منطقيا واحدا: ماذا لو كان هذا الرجل صادقا؟ قامت علىَّ الدنيا وقتها ولم تقعد. وهم الذين ابتدعوا موضة السخرية من قاطنى طرة، دون الاكتراث لأسرهم الذين تأذوا كثيرا، بسبب تشويه صورة أهاليهم، ودفع أطفال وشباب ثمن تشويه صورة ذويهم. الإعلام الذى استخدموه للأسف يوما ما بشكل غير مهنى وغير إنسانى هو نفسه الإعلام الذى كشف الإخوان، وهو نفسه الذى يحكى اليوم سقوطهم واحدا تلو الآخر، هم ومن تعاون معهم من النشطاء ورموز النخبة الذين طبلوا وزمروا لهم.. يقال إن الدنيا دُوَل، واللبنانيون يقولون: «الدنيا دولاب»، أى عجلة تلف باستمرار، يوم لك ويوم عليك، فأول الدروس المستفادة هو أن تعمل لغدك، لأنك فى مصر، البلد الذى تعلم فن الفرز.
فن الفرز
مقالات -