فى الجزء الأول من هذا المقال استعرضنا بعض النقاط التى يجب أخذها فى الاعتبار عند الشروع فى تعديل دستور مصر، أبرزها التأكيد على مدنية الدولة والمواطنة.
أما المسألة الثانية: جناحا السلطة التشريعية:
ولأنها تمثل الإرادة الشعبية.. وهى صاحبة السيادة ومصدر كل السلطات، وقد كثر الحديث عن تشكيلها من مجلس أو مجلسين، والذين يجاهرون بأن تكون مجلساً واحداً.. أو غرفة واحدة.. تأثراً بالماضى القريب.. ويتجاهلون ما ورد فى العلوم الدستورية.. والدراسات المقارنة.. والتطور الحديث الحاصل فى العالم.. لأن المجلسين أفضل من مجلس واحد.. لتحسين صناعة التشريع.. وزيادة مساحة الديمقراطية والرقابة البرلمانية.. ومنع تسلط مجلس واحد فى الحياة السياسية، لأن ذلك يمثل فرامل فى عجلة القيادة.. ولهذا تزايد عدد الدول التى تتخذ المجلسين أساساً لتكوين السلطة التشريعية.. ولعلنا نتذكر أن حياتنا التشريعية كانت قديماً كذلك فى دستور 23، إذ كان لدينا مجلس للشيوخ ومجلس للنواب.. وكذلك دستور 30 الذى عبر عن هذا الخلاف، بأن وجود مجلسين فى السلطة التشريعية صار أمراً مفروغاً منه.. وإذا كانت الحياة السياسية المصرية قد حظيت بعد ذلك بمجلس واحد فى الدساتير منذ ثورة يوليو.. وحتى دستور 71، فهناك تطورات قد جرت عام 80 وما بعده أعادت المجلسين إلى الحياة تدريجياً.. بل حتى دستور 2012 المعطل.. قد جمع المجلسين باختصاصات وسلطات تشريعية كاملة.. وهو أولى بالاتباع إيماناً بغرفتى البرلمان.. لمزاياه العديدة فى الحياة السياسية والتشريعية تحقيقاً للديمقراطية.
المسألة الثالثة: النظام الانتخابى:
ذلك أنه يصاحب كل دستور جديد تحديد النظام الانتخابى، الذى تقوم على أساسه الانتخابات التشريعية أو المحلية واختيار أهم السلطات فى الدولة - السلطة التشريعية - ويحدد الدستور، بعد قراءة الواقع السياسى والحزبى، أصلح النظم الانتخابية سواء كانت بنظام القائمة.. أو الفردى.. أو النظام المختلط.
وبرغم تراثنا الدستورى الطويل.. وتجاربنا العديدة فى النظم الانتخابية التى جمعت كل النظم، وتاريخنا فى الحياة الحزبية على قدمها.. التى توقفت منذ عام 53 حتى عام 77، ثم ظلت الأحزاب جامدة هشة.. بسبب سيطرة حزب واحد هو حزب السلطة لسنوات طوال، بعدها انفرط عقد الأحزاب السياسية عقب ثورة 25 يناير، وبسبب فراغ الساحة الحزبية وضعفها، فقفزت معها الأحزاب ذات المرجعية الدينية وتوغلت وأعلنت جهاراً نهاراً أنها ذراع سياسية ومنها ما كان خفياً للجماعات الدينية، وسيطرت على الساحة، وفصّلت لنفسها دستوراً ونظاماً انتخابياً.. قُضى بعدم دستوريته أكثر من مرة.. ولهذا فعلينا أن نعد لنظام انتخابى يقف ضد التسلط والاحتكار وضد التمكين والسيطرة لأى حزب أو فصيل سياسى.. وأن يكون بعيداً عن المرجعية الدينية.. وهو ما يتطلب العودة إلى المقاعد الفردية المرتبطة بالإرادة الشعبية وحسن الاختيار.. ولو لمدة معينة، بعدها يمكن الجمع بين النظام الفردى والقوائم الحزبية.. حتى تقوى الحياة الحزبية وتتحقق التعددية القائمة على تكافؤ الفرص وحسن الاختيار ونشر الثقافة السياسية والحزبية فى البلاد لأن الثقافة هى الضمان الحقيقى للديمقراطية.
■ هذه مسائل ثلاث تعد أمهات الحياة الدستورية والتعديلات الجارية، حتى تقوى البلاد فى مواجهة التيارات المتصارعة.. وتعزيز طريق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. والحياة الكريمة لكل المصريين فى وطن آمن للجميع.. والله المستعان.