أكثر ما يزعجنى فى هذه المرحلة هو انضمام بعض شباب الثورة إلى تظاهرات الجماعة بدعوى نزولهم ضد العسكر والداخلية. وقد دخلتُ فى مناقشات مع نفر من هؤلاء الشباب، لإثنائهم عن الإقدام على مثل هذا الفعل، لا لخوفى عليهم من الموت، ولكن لخوفى عليهم من مقابلة الله بدماء من يقتلهم الإخوان وهم يتخفّون خلف وجوههم البريئة. فتجد الشباب يُجيبون بسذاجة: الصراحة همَّا معاهم سلاح، بس لما بيطلعوه بامشى!
إلا إنه من الظلم والتغفيل أن ألقى باللوم كله على سذاجة هؤلاء الشباب.
أتهم الإعلام المصرى بشكل مباشر بالمسؤولية عن دماء كثير من الأبرياء، غير المسلحين، وغير المنتمين إلى جماعة الإخوان، الذين يسقطون جراء المواجهات المسلحة بين الجماعة والداخلية. فالأسلوب الفج، يذكِّر الكثير من شباب الثورة بما كان يمارَس ضدهم فى الإعلام.
عدو عاقل خير من صديق جاهل، وقد بُلينا بعدو جاهل وصديق جاهل. أما الإخوان فقد نالوا جزاءهم. لكن حقا، ما هذا الذى يحدث فى الإعلام بدعوى أننا «فى حالة حرب» ويدفع بعض الناس دفعا للتقزز على الرغم من تضامنهم الكامل مع القضية التى هى مبحث الإعلام بالأساس ألا وهى مواجهة خيانة للوطن واضحة؟ فارق بين التعبير عن رأى شخصى على حسابك الخاص، وبين كتابة مقال رأى، وبين التوك شو، وبين البرنامج الإخبارى، وبين العرض، أو الشو. فالفقيرة إلى الله تقول عن الإخوان على حسابها الشخصى ما يقال فى الخمر من واقع تجربتى الشخصية مع الجماعة التى كادت تودى بحياتى وأودت بالفعل بحياة أعز رفقاء الكفاح فى عدة مواقع، وهناك نوع آخر من البرامج يُطلق عليه «الشو»، يكون مقدمه هو البطل، أى أن الناس تشاهده لأن «حبظلم» يقدمه، وحبظلم هذا له خلفية فكرية وثقافية وفلسفية وحضور خاص، يلقى بتأملاته الشخصية فيتلقفها الجمهور فى نهم، أما غير ذلك من البرامج السياسية والإخبارية فالناس تشاهدها لتستفيد بالمادة، ويكتسب المذيع شعبيته من مصداقيته وأمانته ومهنيته. لكن الغالبية قررت أن تكون «حبظلم» وهى غير مؤهلة لأداء دور «حبظلم»، فلا مقدم أو مقدمة البرنامج من كبار الكتاب، ولا الفلاسفة، ولا المنظِّرين.
كل الإعلام فى العالم موجَّه بلا استثناء واحد، لكن هناك حرفية ما فى الأداء تعطى انطباعا بالمهنية، مما لا ينفر المشاهد، خصوصا أن العدو المستهدَف لا يحتاج إلى كل هذه السعرات الحرارية التى يبذلها السادة المذيعون، ولكم فى باسم يوسف مثال، فقد أمضى عاما كاملا يضحك الملايين على الجماعة ورئيسها دون تعليق واحد منه سوى تعبيرات اندهاش ارتسمت على وجهه عقب عرض مقاطع فيديو لخطابات الرئيس.
من قال إنه فى حالة الحرب لا يُسمح لك بالتعقيب على أداء الأجهزة التى تخوض الحرب؟ لا أتحدث من وجهة نظر حقوقية، أو إنسانية، ولكن، ومن وجهة نظر عسكرية بحتة، الانتهاكات أول خطوة على طريق الهزيمة. وواجب كل صاحب كلمة وطنى وشريف ولديه الحد الأدنى من الحكمة أن يشير بإصبع التنبيه والنصح إلى هذه الانتهاكات، إن لم يكن من أجل تحسين أداء أجهزته، فمن أجل إشعار الصادق من الثوار بأنه لم يتخلَّ عن القيم والمبادئ التى من أجلها دفن أصدقاءه، لكن مهازل الإعلام حاليا تدفع الكثير من الثوار إلى القول: الداخلية راجعة أوحش من الأول والكل بيشجعها... أمال إحنا نزلنا يوم 25 ليه؟
لماذا لا توجد قناة واحدة تنطق بلسان الجماعة وحتى الجزيرة يتم الآن دراسة إغلاقها؟ ليه؟ هاه؟ هاه؟ هاه؟ مافيش حاجة وقّعت الجماعة دى إلا بقها، وذلك قبل أن تقدِم على تصرفاتها الهوجاء التى تشبه تصرفات أحمد راتب فى فيلم «بكيزة وزغلول»: أنا عاااايز شوكلاتيييى. أريد لكل الشعب المصرى أن يسمع بنفسه ما تقوله اللجان الإلكترونية.
أين مراسلو القنوات فى صعيد مصر الذى يجرى تحويله الآن إلى خرابة كبيرة دون التفات من أحد؟
لا أكره السيسى، ولولا الخبرات المريرة مع كل من وثقت به، لكنت وثقت بالرجل، لكن القلب ماعادش يستحمل، إلا أن تعامل الإعلام مع خطابات السيسى بنفس الطريقة التى كان يتعامل بها عمار الشريعى مع ألحان السنباطى لأم كلثوم بات مثيرا للاشمئزاز، وقد يؤذى الرجل أكثر مما ينفعه: «ولو تلاحظوا كح وحط إيده الشمال على بقه، مش اليمين.. مششش اليييميييين، ودى رسالة لكل المصريين لازم كللللنااااااا نبقى واعيين لها كويس قوى»!
لا يمكن للقائمين على الإعلام أن يفترضوا الغباء فى المُشاهد إلى هذه الدرجة، ولو أن الإعلاميين يهتمون بمخاطبة الأغبياء فقط، فتوفيق عكاشة يحسن أداء هذه المهمة ولا داعى لتعميم التجربة.