بإيجاز وخفة دم وأريحية عبّر المصريون عن رأيهم فى صفوت حجازى بتلك النكتة عندما سأله المحقق «إيه رأيك يا دكتور صفوت فى الانقلاب اللى قام به الجيش» رد عليه «قصد سيادتك ثورة 30 يونيو اللى قام بيها الشعب»!
هذه المرة خابت توقعات صديقى فنان الكاريكاتير المصرى الأول عمرو سليم عندما قدم أكثر من مرة على صفحات «الشروق» صفوت حجازى وهو يرتدى النقاب استعدادا للهروب جوًّا إلى تركيا أو قطر أو إيران، من الواضح أن صفوت أراد أن يفاجئ الجميع فصبغ شعره وأطلق لحيته وشنبه دوجلاس وارتدى جلبابا بدويًّا وهمّ بالهروب برًّا إلى ليبيا وكأنه يقول لعمرو «عليك واحد».
تتذكرون المشهد الختامى لصدّام حسين الذى تم تصويره قبل عشر سنوات بتليفون محمول وهو فى طريقه إلى حبل المشنقة كيف كان شجاعا وهو يواجه الموت، لم يطلب الصفح من أحد ولم يتراجع ولم يفقد السيطرة على أعصابه ولم تخذله قدماه وهو يصعد إلى المقصلة، نعم كان سفاحا وديكتاتورا وقتل شعبه ولكنه فى نفس الوقت ظل شامخا حتى اللحظة الأخيرة، بينما لو استرجعنا صفوت حجازى ومشهده الأخير وهو يتناول ساندوتش الفول وأمامه زجاجة المياه المعدنية متنصلا من كل مواقفه وتهديداته وخطبه النارية التى أعلنها فى «رابعة» بل يقول إنه لم يكن يستعدّ للهرب وسلّم نفسه بنفسه للجهات المختصة، رغم أنهم ألقوا القبض عليه على الحدود الليبية، استرجِعوا مواقفه قبل «رابعة» كيف كان يبدو دائما قويا شجاعا رابط الجأش واثق الخطوة يمشى ملكًا وهو يتوعد الجميع ويتحدث بيقين مفرط فى الفضائيات ويعترض على هذا المذيع ويهين الآخر وتنفلت من فمه الاتهامات ويحرص على أن يعلن دائما أن الحق إلى جانبهم وأنهم مؤيَّدون بقوة من السماء، كان واحدا من نجوم الإخوان الذين يخاطبون العالم فى فضائية «الجزيرة» ويبدو أنه لم يدرك مثل كثيرين سبقوه أننا نعيش عصر التوثيق، لا أحد من الممكن أن يخدع أحدا أو يُزايد أو يلجأ إلى التبرير الساذج مثل صفوت فهو يبحث عن مخرج قانونى، مؤكدا أنه مش إخوان بس كان متعاطفا معهم، معقول كل ده وأنت مش إخوان أمال لو كنت إخوان بحق وحقيقى كنت عملت إيه؟! كان صفوت واحدا من أبرز الوجوه فى الإخوان بحكم أنه والبلتاجى والجزار يجيدون التعامل مع «الميديا» ولهذا فهو لا يستطيع أن يتنصل من أقواله لأنها متوفرة وبكثرة على «يوتيوب» والحقيقة أن ما فعله صفوت سبقه إليه العديد من الفنانين والمثقفين عندما أنكروا كل ما قالوه وكرروه فى زمن مبارك وعلى مختلَف الفضائيات، منذ ثورة 25 يناير ونحن نعيش تلك الحالة من الإنكار، الكل يقول «أبدا ماقلتش، أبدا لم أكن داعما للتوريث»، ولهذا لم أستبعد أن يقول حجازى إنه لم يحمل سلاحا بل ولم يرَ سكينا فى «رابعة» على الرغم أنه فى حوار تليفزيونى ذكر أن لديه سلاحا مرخَّصًا ومن حقه أن يحمله معه فى كل وقت.
ربما هى حيلة قانونية حتى لا تتم إدانته ويطول بقاؤه فى السجن لأنه محاصَر بعديد من الاتهامات مثل تكدير السلم الوطنى والحض على القتل وتحريض المتظاهرين ضد الدولة، وجميعها حتى لو أفلت فيها من حبل المشنقة فإنها تؤهله لا محالة إلى السجن المؤبد، أتصورها حجة قانونية ساذجة لأن التسجيلات التى تدينه موثقة، إلا أن أمامه مخرجا وحيدا أن يصبح شاهد ملك يروى التفاصيل وتفاصيل التفاصيل ويفضح الجماعة وسنين أبو الجماعة مقابل أن لا تتم ملاحقته قانونيًّا، التركيبة الشخصية لحجازى تتيح له أداء هذا الدور ومثل هؤلاء يواصلون بجلد تخين الحياة خارج السجن ولكن حتى أشد خصوم الإخوان لا يحترمون تلك النوعية من البشر.
لن يسفر الأمر فقط عن صفوت، أوقن أن هناك آخرىن كنا نشاهدهم طوال عام من حكم الإخوان وهم يوجِّهون مدفعيتهم الثقيلة ضد من يعترض على مرسى سوف يصبحون هم أصحاب الصوت الأعلى والمدافع الشرس عن ثورة 30 يونيو ويضع صباعه فى عين من يصفها بالانقلاب ولا يتورع عن أن يهتف قائلا «بالطول والعرض ح نجيب مرسى الأرض».. اكتشفنا فى البطاقة الرسمية أن الاسم الرسمى لصفوت هو صفوة، وكما أن الأسد أصله قط فإن صفوت أصله صفوة.