«إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطئناهم فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم».
كانت هذه هي الكلمات الأخيرة التي قالها النبي محمد- صلى الله عليه- وسلم قبل بدء غزوة أُحد لـ50 راميًا وضعهم على الثغرة الوحيدة الموجودة بأرض المعركة وهو جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي مناة.
كلمات النبي كانت واضحة لا تقبل التأويل، لكن بعد أن أصبح النصر قريبًا من المسلمين، وبدأ جيش قريش في الانسحاب من أرض المعركة، ترك 40 راميًا أماكنهم التي أمرهم بالبقاء فيها حتى يرسل إليهم وأيًا كانت نتيجة الحرب، ونزلوا إلى أرض المعركة يجمعون الغنائم التي تركها القريشيون وهم يولون الأدبار.
تقارب يصل إلى حد التطابق بين غزوة أحد وثورة 25 يناير، فقد كانت الحسابات المنطقية في صالح قريش قبل بدء المعركة، وكذلك كانت دولة مبارك، وحقق الثوار نصرًا مؤزرًا في البداية وكذلك جيش المسلمين، وترك الرماة أماكنهم التي تضمن عدم عودة فلول جيش قريش للحصول على أكبر قدر من الغنائم قبل غيرهم، وكذلك فعلنا جميعًا، فعادت دولة مبارك إلى الحياة وعادت الثورة إلى الوضع الدفاعي، وكذلك ابتُلي جيش محمد.
ترك الثوار أماكنهم في حماية ظهر الثورة فأغار عليهم أعداؤها وأخذوا منهم المكسب تلو الآخر، لكن هذا حديث الماضي، فماذا عن المستقبل؟.
بما أن أحداث ثورة 25 يناير هي نفسها أحداث غزوة أحد، فإن الطريق الذي يجب أن يتخذه الثوار لتجاوز آثار الهزيمة هو نفسه الطريق الذي اتخذه الرسول- صلى الله عليه وسلم- لتجاوز آثار هزيمة أُحد.
1-التمحيص:
«مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ».
تكون الهزائم ضرورية أحيانًا لتستطيع الفرز بين من معك ومن عليك، ففي وقت اليسر تجد الجميع بجوارك، وفي وقت العسر ينفض الكثيرون من حولك وربما يتحالفون مع أعدائك، فاستغل النبي الهزيمة في معرفة المؤمنين برسالته حقًا والمنافقين الذين تظاهروا بالإيمان وأخفوا الكفر.
بعد المعركة اكتشف الرسول أن رجلًا مثل الحارث بن سويد بن الصامت، وهو من الأنصار، خرج إلى المعركة أحد خصيصا كي يقتل المجذر بن زياد، وهو من الأنصار أيضا، ليشفي غليله من ثأر قديم، فنفذ فيه الرسول حد القتل، أما عبد الله بن أبي بن سلول فحاول أن ينصح أتباعه في صلاة الجمعة بطاعة الرسول، فأخذ المسلمون بثوبه وقالوا له «اجلس عدو الله، لست لذلك بأهل».
يوم 11 فبراير وبعد انصرافي من ميدان التحرير، بعد إعلان تنحي مبارك، وجدت مصر كلها في الشارع، الكل يرفع الأعلام ويضرب الكلاكسات ويوزع الشربات، من كان ضد الثورة إذن؟ ولماذا قبلها بعدة أيام كان واحد من كل خمسة أكلمهم يؤيد الثورة، بينما يتراوح الأربعة الآخرون ما بين كاره لها ومقتنع بأنها مؤامرة، وكاره للأوضاع تحت حكم مبارك لكنه لا يجد بين الموجودين بديلا يملأ فراغه، ومؤمن بالتغيير التدريجي الإصلاحي وليس التغيير الثوري.
هي فرصة حقيقية لتعرف الثورة المؤمنين بأهدافها حقًا والصادقين فعلا في مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، من الراغبين في استبدال نظام أو الباحثين عن نصيب في الكعكة.
ستعرف الثورة في هذه المرحلة أعداءها بوضوح، بعدما ينتقل الذين تظاهروا بالإيمان بها إلى جيش أعدائها الواضحين.
2- الانتقال السريع للهجوم:
«إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ».
لم يمنح الرسول الكريم لخصومه فرصة الاستمتاع بنشوة النصر، فأراد أن يوصل لهم رسالة بأن جيشه مازال قويًا وقادرًا على المبادرة، وأن الهزيمة في أُحد لم تؤثر في عزيمته على إتمام الرسالة.
بعد 3 أيام من هزيمة أُحد وبالتحديد في ليلة 10 شوال خرجت قوة من المسلمين، وعلى رأسهم الرسول- صلى الله عليه وسلم- في غزوة حمراء الأسد، لمقابلة جيش أبو سفيان العائد إلى مكة.
طلب الرسول أن يخرج معه المسلمون الذين قاتلوا في أحد فقط، وكان معظم من خرج، وعلى رأسهم الرسول، جرحى، وكان منهم من به 10 جراحات، وكان الرسول نفسه مجروحا في الوجه والشفة السفلى والركبتين.
حرمان خصمك من الاستمتاع بنشوة الانتصار انتصار في حد ذاته.
مطلوب من الثوار كثير من الضربات الاستباقية في الفترة المقبلة، وعدم التفرغ لكتابة بكائيات عن الثورة التي ضاعت ونظام مبارك الذي عاد، مطلوب تحرك جديد ليعرف الحكام الحاليون ومن يفكرون في الوصول إلى الحكم قريبًا أن الثورة لم تمت، وأن الثوار لم يستسلموا لليأس، وأن مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية صارت أكثر ضراوة بعد التخلص من نظامي مبارك والإخوان اللذين لم يستجيبا لها.
يجب أن يتحرك الثوار في هذه الفترة أكثر من تحركهم في أي وقت مضى، يكونوا وفودًا، من بينهم لطرق أبواب الوزارات والهيئات الحكومية لمحاصرتها بمطالب الثورة، والنزول إلى الشوارع لتذكير الناس بمطالب الثورة وإزالة آثار كفرهم بها بفضل ممارسات الإخوان وبعض المحسوبين على الثورة، بالإضافة إلى التواجد بمواقع العمل إلى جانب العمال والفلاحين والحرفيين وعدم الاكتفاء بمخاطبتهم بمصطلحات فوقية عبر الفضائيات.
3- مراجعة التحالفات.
كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- قد تحالف مع يهود المدينة فور هجرته إليها قادما من مكة، واستمرت الأوضاع هادئة حتى انهزم المسلمون في أحد فاستغل يهود بني النضير الفرصة ونقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي، فأخرجهم من المدينة وتحالفوا مع قريش.
كذلك نقض يهود بني قريظة عهدهم مع المسلمين بمهاجمتهم من الداخل عندما أثناء غزوة الخندق حتى يسهل على الحشد الكبير للأعداء دخول المدينة، وبعد أن فشلت قريش والأحزاب المتحالفة معها في دخول المدينة وعادوا من حيث أتوا، أمر النبي يهود بني قريظة بمغادرة المدينة ودون أن يأخذوا شيئا من متاعهم.
بعد الأزمات يجب أن تقف لتراجع تحالفاتك، فتتخلص من التحالفات التي تضر بك وتبني تحالفات جديدة تدعم موقفك، مئات الائتلافات القزمية يجب أن تتوحد في كيان واحد يضم شباب الثورة المشتتين، الثوار الحقيقيون يجب أن يعقدوا تحالفا مع الشعب باعتباره العنصر الحاسم في أي خلاف بين السلطة والمعارضة، وباعتباره بعيدًا عن التوازنات السياسية تمام كالثوار الذين يصرون عليها، رغم أنهم ما زالوا لا يجيدونها.
4- نسيان الهزيمة وتذكر دروسها
نسي المسلمون بعد أحد هزيمتهم التي أفقدتهم 70 من خيرة الصحابة، لكنهم أبدًا لم ينسوا الدروس التي خرجوا بها منها، لم يفرحوا بأي انتصار قبل أن يتم ويصبح واقعًا، علموا أن كونهم على الحق ليس سببًا كافيًا للنصر دون اجتهاد وأخذ بالأسباب، تعلموا أن يحذروا عدوهم مرة ويحذروا صديقهم ألف مرة، لأن الخيانة تكون أكثر قسوة وأبهظ ثمنًا عندما تأتي من داخل معسكرك.
أدرك المسلمون الأوائل بعد غزوة أُحد أن الأسبقية إلى الإسلام «إلى الثورة» ليست معيارًا وحيدًا للمفاضلة، فيومها ترك سيدنا عثمان بن عفان أرض المعركة عندما أدرك أن النصر في طريقه لجيش قريش، بينما تحلق حول النبي من هم أحدث منه عهدا بالإسلام للدفاع عنه والموت دونه.
5- خسرنا معركة وربما معارك، لكن الحرب على «كل مبارك» لم نخسرها بعد.