سقطت كل الأكاذيب التى يروجها ملايين المصريين حول أعمال العنف التى يمارسها الإخوان وجرائم التعذيب التى نسبت إليهم، قبل وأثناء وبعد اعتصام «رابعة» المسلح، فقد نشرت جريدة «الجارديان»، البريطانية، مقالاً موضوعاً عليه اسم القيادى الإخوانى محمد البلتاجى ومكتوباً بلغة إنجليزية لا يعرفها، يؤكد أن الإخوان جماعة سلمية، وأنهم - حسبما ورد بعنوان المقال - لن يلجأوا للعنف لمحاربة الانقلاب (!!)، والمقصود هنا بالانقلاب هو ثورة الـ33 مليوناً من المصريين الذين خرجوا يوم 30 يونيو، لإسقاط حكم الإخوان الذين يتحدث «البلتاجى» باسمهم.
وفى المقال يعدد «البلتاجى» أعمال العنف التى نعرفها جميعاً، وانتهاكات حقوق الإنسان، لكنه ينسبها كلها للدولة وليس للإخوان، فالكنائس تم حرقها لكى تلصق التهمة بالإخوان، ولابد أن المجازر التى ارتكبت فى قسم شرطة كرداسة وغيره، وما يجرى فى سيناء قامت بها كلها الدولة أيضاً، رغم أن شهادة الأهالى أنفسهم هى التى حددت مرتكبى هذه الأعمال، والذين تصدى لهم الأهالى فى أكثر من موقع.
ولست أعرف كيف صنفت الجريدة هذا الذى نشرته على أنه مقال رأى! فإلى جانب حجم المغالطات والأكاذيب التى يعتمد عليها، فالجزء الأكبر منه نداء صريح لمنظمات حقوق الإنسان وللوفود الدولية وللرأى العام العالمى بالوقوف ضد الانقلاب فى مصر، والدفاع عن الثورة التى هى طبعاً جماعة الإخوان وحدهم، وليس عشرات الملايين الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين يطالبون برحيلهم. لقد تخطى العالم الآن محاولة تصنيف ما قام به الشعب المصرى على أنه انقلاب عسكرى، وفى مقابلة الوفد الشعبى الذى زار الاتحاد الأوروبى فى بروكسل، منذ أيام، قالت لنا مسؤولة العلاقات الدولية به، كاثرين آشتون، بشكل لا لبس فيه: نحن لا نستخدم هذه الكلمة ، ولم نستخدمها قط، لكن ها هى جريدة محترمة تخرج علينا أمس الأول الأربعاء، بهذا الإعلان مدفوع الأجر الذى يعبر عن منطق طفولى ساذج على أن ينطلى على أحد، والذى يدعى أولاً أن الإخوان هم الثورة (!!)، وأنهم لم يحيدوا أبداً عن السلمية (!!) وأن الشعب كله وراءهم (!!) وأن ما حدث يوم 30 يونيو هو انقلاب عسكرى (!!)، والذى يستدعى الرأى العام والمنظمات الدولية ضد الحكم الشرعى فى مصر، والذى أيده الشعب حين نزل مرة ثانية يوم 26 يوليو بعشرات الملايين يعلن تفويضه للنظام الجديد فى الخلاص من هؤلاء الذين تفتح لهم الصحف الأجنبية صفحاتها، رغم تهافت ما يكتبون، أو يكتب لهم بواسطة جهات متخصصة.
إن الحقيقة التى ينبغى ذكرها هى أن الإخوان أنفقوا ومازالوا ينفقون مئات الملايين من الدولارات على شركات متخصصة فى العلاقات العامة، ومن يعرف طبيعة عمل هذه الشركات التى تخدم من يدفع لها يعرف أن عملها يتخطى مسألة نشر مقال فى جريدة، خاصة إذا كان هذا المقال إعلاناً مدفوع الأجر، فهى تقوم أيضاً على التأثير على مراكز صنع القرار من نواب بالبرلمانات أو غير ذلك، وعلى بعض المسؤولين، وتستطيع أن تأتى بهم إلى مصر، وتمدهم ليس فقط ببطاقات السفر ونفقات الإقامة، وإنما أيضاً بالمعلومات والبيانات، بصرف النظر عن صحتها، والتى تخدم قضية العملاء الذين يستأجرونها، كما أنها تقدم النصيحة لهؤلاء العملاء، ويمكن أن تشير عليهم ببعض التحركات التى يمكن أن يقوموا بها، والتى تؤثر على الرأى العام فى الغرب، مثل الاعتصام ببعض دور العبادة أو بأن يخروا ساجدين كأنهم يصلون، فور محاولة تفريق مظاهراتهم، وتقدم لهم يومياً قائمة بالموضوعات والقضايا التى ينبغى التركيز عليها فى أحاديثهم للإعلام الغربى، مثل حقوق الإنسان والسلمية والشرعية والديمقراطية، إلى آخر هذه الموضوعات التى كان الإخوان وحلفاؤهم يعتبرونها، قبل وصولهم للسلطة، رجساً من عمل الشيطان. أما التأثير على الصحافة والإعلام وجعله يظل يردد كلمة الانقلاب، بعد أن انصرفت عنها كل الحكومات فى العالم - ما عدا تركيا، الصديقة المحبة لمصر (!!) - فتلك أسهل المهام جميعاً، ولم تكن هى المهمة الأولى فى تعاقدات الإخوان مع هذه الشركات، وهى التعاقدات التى وصل حجمها، خلال فترة حكم الإخوان، إلى ما يزيد على 300 مليون دولار، لا ليس هناك خطأ مطبعى، هى 300 مليون دولار، وما خفى كان أعظم.