طلبت منك فى الأسبوع الماضى أن تنتظرنى لأحدثك عن «احتمالات» عودة مرسى، وقتها لم تكن الأحداث قد تصاعدت بهذا الشكل المؤسف، ومن ثم كان مقبولا أن أدخل معك فى حوار خيالى أو «سوفسطائى» ربما ينتهى إلى لا شىء، لكن التطورات التى تجرى على الأرض تفرض علىّ وعليك أن نعود بأقصى سرعة إلى أرض الواقع، لنتفق معا على أنه لم يعد لعودة المعزول سوى احتمال واحد، هو أن يموت المصريون جميعا، ليعود الإرهاب على جثثنا، وأشلاء الوطن.
وهو احتمال لن يتحقق بإذن الله طالما ظل فى مصر جيش يحميها، وشعب يدافع بدمائه عن حاضرها، ويرسم على القلب مستقبلها، أبيض، ناصعا.
لكنى أرجو منك أن تلتمس لى العذر، وأن تسمح لى بأن أوجه رسالة إلى رجل أتمنى أن تنجح جهود الأمن فى إلقاء القبض عليه بأسرع وقت، لتحميه من شر نفسه، ومن سيئات أعماله، عن الدكتور محمد البلتاجى أتكلم.
وأشهد الله أمامك أننى لم أحب هذا الرجل يوما، لم ترحنى ملامحه، ولم يجذبنى حديثه، حتى عندما كان يحاول أن يرتدى ثوب السياسى ويفتى فيما ليس له به علم، كنت دائما أراه الشخص غير المناسب فى المواقف التى تحتاج إلى رجال أكثر حكمة وتسامحا وهدوءا وعلما وخبرة، لكنها الرغبة القاتلة فى الاستحواذ على السلطة. كنت دائما أشعر بأن الذى يحرك محمد البلتاجى هو دوافع شيطانية، وكنت أراها تنعكس على ملامحه غير المريحة- بالنسبة لى- لكنه اختار طريقه ومشى فيه- خُطى كتبت عليه، ومن كتبت عليه خطى مشاها- ولو أنه أخلص لما يسره الله له لكان الأمر مختلفا، فـ«البلتاجى» طبيب أنف وأذن وحنجرة، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر وكان مدرسا بها، ومتفوقا فيها لولا أن ندهته نداهة الجماعة، فسلبته عقله وعلمه وتخصصه، وألقت به فى «غيابات جب» سحيق، ومن أسف أن التقطه «بعض السيارة» الذين غابت ضمائرهم، فاستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير، جردوه من مشاعره، ليصبح قاتلا محترفا، متصورا أنه يذبح باسم الدين، ويقتل ليطبق شريعة الغاب، متوهما أنها فريضة، قسوة وغلظة ابتدعوها ما فرضها الله عليهم، ليبقى السؤال الذى يحتاج إلى نخبة من علماء النفس والاجتماع ليجيبوا عنه وهو: كيف استطاع من جندوا البلتاجى فى شبابه أن يصنعوا هذا التغيير؟
بأى وسيلة نجحوا فى أن يزرعوا بداخله كل هذه الكراهية، وأن ينزعوا من قلبه إنسانيته؟
لحظة من فضلك: أرجو ألا تتصور أننى أعتبر البلتاجى ضحية لظروف مجتمع أو قمع سلطة، فلا شك أنه كان يمتلك الدوافع والاستعداد النفسى ليصبح مجرما، لكنى فقط أفتش فى الأسباب التى أتصور أنها قد تكون مشتركة مع إرهابيين آخرين، من أمثال أيمن الظواهرى وغيره. صحيح أن الأسباب تتعدد، لكن النتيجة واحدة، وهى أننا أصبحنا أمام «مسخ» مشوه لإنسان «سابق».
ومن هنا يجوز لى أن أندهش وأتعاطف، وأحزن أيضا، خاصة حين بلغنى نبأ مصرع ابنة البلتاجى- رحمها الله وألهم أهلها الصبر- فى أثناء فض اعتصام رابعة العدوية، فهى بلا شك لحظة قاسية على أى أب، حتى لو كان رجلا بلا مشاعر.
لحظة أظنها تؤدى إلى نتيجة من اثنتين: إما الانكسار والهزيمة لدرجة الانهيار، وإما المزيد من التعطش للدم.
أظن- وليس كل الظن إثما- أن المرشد «بديع» لحظة القبض عليه كان مكسورا بسبب وفاة ابنه، وضياع حلمه، وأخشى أن تكون هذه الصورة سببا فى تعاطف بعض «الناس الطيبين» معه.
وأتصور أنه فى حالة البلتاجى سنكون أقرب للنتيجة الثانية؛ لذلك أتمنى أن يكثف رجال الشرطة جهودهم لإنقاذ البلتاجى من نهاية تشبه نهاية معمر القذافى، مشهد لا أحب أن يكتب على إنسان، حتى لو كان بلا مشاعر.