منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى وبدأت أصوات من الجانبين تعلوا وتطالب بأهمية المواجهة العنيفة، سواء من داخل جماعة الإخوان المسلمين التى انطلق منها أصوات قادة يطالبون بمواجهة عنيفة ضد من سموهم «قادة الانقلاب» والمؤيدين لهم، أو من أبناء نظام الرئيس الأسبق أو بعض الأصوات المدنية التى دفعها خوفها من جرائم ارتكبها ومازال يهدد بها قادة الجماعة تنادى بضرورة مواجهة جميع أفراد الجماعة والقضاء عليهم من أجل اتقاء شرهم فى المستقبل، ووقف بين الاثنين قوى الثورة التى تنادى باتقاء شر اللجوء للعنف، ويجزمون بأن الحل الوحيد الذى سيقى البلاد شر دوامة عنف لا تنتهى هو محاكمة حقيقية لجميع المسؤولين عن أى جرائم ارتكبت فى حق المصريين سواء من رجال نظام مبارك أو الإخوان، ثم البدء فى إجراء مصالحة وطنية شاملة بين كل من لم يرتكب جرائم ووضع قواعد ديمقراطية عادلة لإقامة دولة حديثة قائمة على التنوع، وتسع الجميع.
وإذا أردت أن تعرف من المسؤول عما وصلت إليه البلاد الآن من جرائم إرهابية وعنف مضاد، فتش عن المستفيد منها، فمن ناحية القيادات الحالية لجماعة الإخوان المسلمين الذين يقفون أمام قواعدهم الآن وقد وصلوا إلى السلطة باتفاق أصبح يراه الجميع مع قادة المجلس العسكرى السابق، ثم بعد عام واحد من قيادتهم للبلاد خرج ضدهم ملايين المصريون المنادين بإسقاطهم ومحاكمتهم على ما ارتكبوا من جرائم، فأصبحت الجماعة التى اعتادت أن تكتسب دعم قطاعات من المصريين بما يطالها من بطش السلطات، هى السلطة المستبدة التى سقطت بيد ملايين المصريين، وبالتالى يحتاج قادتها إظهار أكبر قدر ممكن من البطش الذى ينالها ليحافظوا على تماسكهم التنظيمى عن طريق استعادة المظلومية التاريخية بدفع قواعدهم لمصادمات يعرفون مسبقًا أن نتيجتها ستكون خسائر فى صفوف الأعضاء، وهو ما سيدفع بباقى الأعضاء للتماسك تنظيميًا لمقاومة البطش بدلاً من محاسبة قادتهم على جرائمهم التى جعلت الجماعة وأعضاءها منبوذين شعبيًا.
ومن ناحية أخرى تجد ما تبقى من نظام مبارك الأمنى والذى لعب أدوار الاستبداد قريبًا لصالح جماعة الإخوان ـ لاحظ أن وزير الداخلية الذى يواجه الإخوان حاليًا عينه مرسى وبطش بالمعارضين لصالح الإخوان ـ يحاول ما تبقى منه لاستعادة زمام المبادرة بعد أن فقدها بيد ثوار يناير 2011، ويحاول إظهار ما حدث فى الموجة الأولى من الثورة باعتباره مؤامرة إخوانية، ويحاول استبعاد أى حلول سياسية قائمة على محاكمة المجرم وإعادة إدماج الجميع فى عملية سياسية ديمقراطية عن طريق استخدام أكبر قدر ممكن من البطش والمواجهات العنيفة، حتى يتحول من تبقى من أفراد جماعة الإخوان لعمليات إرهابية انتقامية، فتكون هناك حرب حقيقية يخوضها جميع المصريون ضد الإرهاب، وبالتالى فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا مكان للحديث عن أى إصلاحات ديمقراطية أو حقوق للمواطنين، واستعادة ما اكتسبه المصريون بدمائهم من مساحات حرية وديمقراطية. يعلم الطرفان أنهم سيجلسون للتفاوض فى النهاية، فلا يتخيل قادة الجماعة أنهم سينجحون فى محاربة أجهزة الدولة بعد أن خسروا التعاطف الشعبى فأصبح جمهور المصريين أيضًا ضدهم، كما تعلم الأجهزة الأمنية أنها لن تقضى على جماعة قوامها 300 ألف مواطن، أى تحتاج إلى قتل 300 ضعف من تم قتلهم حتى الآن، بالإضافة إلى إخراس أو تصفية أقربائهم وأصدقائهم والمتعاطفين معهم، لكن كلا الطرفان يرغب فى زيادة حدة العنف فتصبح المعادلة والمفاوضة لطرفين فقط، دون الطرف الذى يسعى لمحاكمة قادة الطرفين محل النزاع الذين سالت على أيديهم دماء آلاف المصريين خلال العامين ونصف المنصرمين، واستعادة دولة الاستبداد التى لا مكان فيها لتحول ديمقراطى حقيقى يبنى دولة حديثة عمادها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة، ويفتح المجال للصفقات السياسية التى تجرى داخل الغرف المغلقة بين قادة من الطرفين، دفعوا آلافا من المصريين للقتل فقط ليكونوا نقطة تحسن الوضع التفاوضى لقادة كل طرف، حينها لن يتذكر أحد من قتلوا دفاعًا عن هؤلاء القادة.