لم يعد ما يحدث فى كثير من وسائل الإعلام مقبولا. هناك التزام قانونى على الإعلاميين، ليس فقط بأن يتحروا الحقيقة، ولكن أيضا بأن يمتنعوا عن إثارة النعرات والتحريض على العنف أو الكراهية بأى طريقة ولأى سبب حتى لو كان محاربة الإرهاب. يمكن لأى مراقب أن ينظر إلى أداء الإعلام المصرى ليتأكد من أن الكثيرين يخرجون على أصول المهنة وقواعد القانون متعمدين. المشاركة فى الحرب على الإرهاب لا تبيح تشجيع نشوء إرهاب مقابل؛ جميعنا قد ندفع الثمن. نوعية من تجرى استضافتهم والأسئلة والتعليقات غير المهنية لمقدمى البرامج والمواد الفيلمية التى يستخدمونها، يقع بعضها تحت طائلة قانون العقوبات بتهم تكدير السلم العام أو التحريض على العنف أو إثارة الكراهية. على الرغم من أن وسائل الإعلام الأهم والأشهر فى مصر هى وسائل «غير حكومية» ولا تخضع «للاحتكار» إلا أنه من الواضح أن الرسالة الإعلامية ممنهجة فى اتجاه واحد للتحريض على فصيل واحد دون أن يتاح حتى لأهل الاعتدال الرد أو التعليق. ستحصد الدولة غدا عندما يأتى وقت تطبيق القانون بعدالة على الجميع ما يزرعه الإعلام اليوم. من اعتاد رؤية العنف وقبوله سهل عليه أن ينتج العنف ضد الدولة يوما ما. استمعت إلى أحد أهالى ضحايا شهداء مجزرة رفح الإرهابية وهو يقول إنه لو قبض على الإرهابيين فلن يسلمهم «للحكومة» ولكنه سيمر على أجسادهم بدبابة. الرجل معذور قتل ابنه غدرا مقيد اليدين بعد أن أدى واجبه فى حماية الوطن. الوسيلة الإعلامية لا يجوز لها أن تذيع مثل تلك التعليقات؛ منذ فترة استمعت إلى مداخلة لرجل يقول إن على الحكومة أن تغرق مسجدا اعتصم فيه البعض بالمياه ثم «تكهرب المياه»، قد يكون الرجل عفويا فى إظهار سخطه، ولكن على الوسيلة الإعلامية مسؤولية استنكار مثل هذا التعليق والاعتذار عنه. فى ثلاثينيات القرن الماضى أدار وزير إعلام هتلر «جوزيف جوبلز» حملة ضد «الأغيار»؛ انتهت بخطة أطلقوا عليها «الحل النهائى» لتطهير ألمانيا من اليهود. لم تفلح الخطة فى كل الأحوال ومازالت ألمانيا تدفع إلى الآن تعويضات عن حماقات جوبلز ورئيسه؛ واقتطعوا من أراضينا أرضا وهبوها لليهود تعويضا لهم عن جرائم هتلر. تشجيع المواطنين على العنف الفردى أو الترويج لدعوات الثأر، التحريض على كراهية تيار سياسى بشكل عام لن يحل مشكلة الإرهاب. مكافحة الإرهاب تحتاج إلى إعلام يقدم الحقائق بشكل موضوعى دون تشنج أو انحياز ويسمح لكل الأطراف أن تعبر عن رأيها فى هدوء؛ خاصة أن ما يقوم به الإرهابيون وحده كاف لإدانة أفعالهم. يجب الامتناع عن نشر صور القتلى والشهداء؛ أو مشاهد القتل ومناظر الجثث عارية أو فى أكفان، لآن ذلك سوف ينتج آثارا خطيرة على الصحة النفسية لمجتمع هو فى الحقيقة أصبح يعانى من الجنون.
إعلام الدم
مقالات -