
ورغم أن ملايين المصريين عاشوا ولايزالون ..فى دول الخليج ، وكونوا جزءاً كبيراً من ثرواتهم ، وعلموا أبناءهم ، وأمضوا معظم سنوات حياتهم فى هذه الدول ، إلا أن السينما المصرية لم تتعرض أبداً بشكل جدى وحقيقى لتجربتهم ، ولم تقدمهم سوى فى صورة العريس الجاهز الذى يريد أن يخطف حبيبة البطل بما حصده من مال فى بلاد النفط ، والمصرى فى الخليج كما تصوره هذه الأفلام ، سطحى ومادى وعبد للمال ، بالضبط مثل المدرس العائد من الكويت الذى لعب دوره ضياء الميرغنى فى فيلم " ياتحب ياتقب".
أما الخليجيون أنفسهم فهم لايظهرون غالباً فى الدراما المصرية سوى بصورة كاريكاتيرية ظالمة تبتعد كثيراً عن صورتهم الواقعية ، وتعكس نوعاً من الانتقام مما نسمعه عن سوء معاملتهم للمصريين العاملين فى بلادهم ، وتعاليهم واستغلالهم لهم ، وهى الصورة التى تؤكدها حواديت نسمعها من هنا وهناك عن مشاكل المصريين مع " الكفيل" الخليجى ، أو طريقة تعامل الخليجيين مع المصريين حين يفدون إلى مصر كسواح فى موسم الصيف.
ولا أعرف إذا كانت مجرد صدفة أو شىء يتعمده الكوميديان محمد هنيدى ، الذى يعتبر أكثر نجوم هذا الجيل إظهاراً للخليجيين فى أفلامه ، وطبعاً بشكل ساخر ، وأفلامه كلها تقريباً تعزف على نفس النغمة ، سواء كان يقوم بنفسه بدور الخليجى كما فى أفلام " ياأنا يا خالتى " ، و" صاحب صاحبه " و" عندليب الدقى " ، أو كان يتقمص الشخصية ممثلون آخرون ، والمهم ارتداء الغُترة والعقال والحديث باللهجة الخليجية بطريقة كوميدية تهدف إلى الاستهزاء والإساءة أكثر مما تهدف إلى الإضحاك .
وطبعاً.. لم يكن هذا السلوك السينمائى ممكناً منذ عشر سنوات فقط ، حين كان الموزع الخليجى يسيطر على صناعة السينما ، ويختار لها موضوعاتها ونجومها ، وصحيح أنه يتدخل أيضاً الآن بطريقة مختلفة من خلال ملكية معظم القنوات الفضائية المتخصصة فى عرض الأفلام السينمائية فى " الأوربت " و"الايه .آر .تى " و"روتانا " وغيرها ، أو من خلال إنتاج السينمائى المباشر ، أو شراء حق عرض الأفلام المصرية القديمة والجديدة ، وكلها وسائل للتدخل وفرض الرأى والذوق ، لكنه مع ذلك لم يفلح فى تحسين صورة الخليجى على الشاشة المصرية ، بل وأنتج كاتب وممثل ومنتج خليجى وهو الكويتى عبدالله الكاتب فيلماً فى عز أزمة السينما المصرية فى التسعينات ، "لحم رخيص " ، يفضح فيه تجارة القاصرات بتزويجهن من الأثرياء العواجيز العرب فى بعض قرى الجيزة ، وهو الفيلم الذى قامت ببطولته إلهام شاهين ومحمود قابيل وكمال الشناوى وأخرجته إيناس الدغيدى ، وكان بمثابة صرخة مبكرة للتحذير من خطورة تزويج البنات الريفيات من شيوخ الخليج .
ومع ذلك تظل الصورة غير حقيقية ومشوهة ، فلو كان الخليجيون بهذا القدر من القسوة وسوء المعاملة ، لما استطاع كثير من المصريين أن يتعايشوا معهم ويعيشوا بينهم كل هذا السنوات ، ولما فضل بعضهم الحياة فى الخليج على العودة إلى مصر ، رغم عدم احتياجهم مادياً للبقاء هناك فترة أطول ، وأعرف بعضاً منهم وصلوا إلى سن المعاش ولم يعودوا يعملون من الأساس لكنهم اعتادوا الحياة الهادئة السلسة البعيدة عن الصخب والضجيج .
نحن نتعامل مع الخليجيين بحساسية مفرطة أحياناً وبسطحية شديدة فى أحيان أخرى ، وهو ما يجعل صورتهم على الشاشة وفى الدراما المصرية تحمل كل هذا القدر من المغالطة والغلظة والتشوية ..وآن لتلك الصورة أن تتغير.