تتواصل التصريحات الصادرة من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التي تصف بأن ما جرى في مصر إنقلاب عسكري، وأن محمد مرسي هو الرئيس الشرعي لمصر، والتي تدعو مجلس الأمن الدولي إلى بحث الأوضاع في مصر. حالة من الهياج لشديد انتابت رئيي وزراء تركيا جعلته يواصل الهذيان ويطلق تصريحات تمثل تدخلا في الشأن المصري الداخلي، تارة يقول بأن ما جرى في مصر لو مر فسوف يحدث عندنا، وتارة أخرى يقول أننا لن نكون شيطان أخرس بمعنى الذي لا يقول الحق، وتارة ثالثة يهاجم القوات المسلحة المصرية ويتهمها اتهامات لا تمت للعقل والمنطق بصلة ولعل أحدث هذه الاتهامات تلك التي قال فيها أن القوات المسلحة تعاونت مع إسرائيل في الإطاحة بمرسي.
السؤال هنا ما الذي أوصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى هذه الحالة من الهذيان ولماذا اصيب بحالة هيستيرية مما جرى في مصر ؟ ما الذي حول هذا الرجل الذي قبل شهور ملء السمع والبصر وكان ينظر اليه باعتباره القدوة والنموذج، ينظر إليه على الرجل المنتمي لحزب اسلامي نجح في تحقيق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تركيا ؟
في تقديري أن تجربة أردوغان وحزبه في تركيا كانت تحمل في جوهرها بذور التناقض من ناحية والاعتماد على الخارج من ناحية ثانية وعندما تصاعدت هذه التناقضات بدأ النموذج في التدهور وتكشفت عوراته على النحو الذي بات يهدد النموذج بالتصدع من الداخل نتيجة تفاعل التناقضات وبدأت العوامل الخارجية في الضغط على النحو الذي يمكن أن يسرع من وتيرة تدهور النموذج التركي.
ينتمي حزب العدالة والتنمية إلى تيار الاسلام السياسي وهو عضو في التنظيم الدولي للجماعة، وهو تطور طبيعي لمجموعة الأحزاب التي شكلها التيار وفشلت، وجاء حزب العدالة والتنمية بمثابة الطبعة الأكثر مرونة وتطورا من سابقيه. حمل الحزب من البداية تناقضاته معه، فهو حزب من خلفية إسلامية جاء لحكم دولة علمانية، حلم سكانها دخول الاتحاد الأوروبي الذي وصفوه بأنه منتدى مسيحي، مع تاريخ متخم بالدماء والعداء. حاول نظام أردوغان تقديم نفسه باعتباره طبعة جديدة متسامحة مع الجوار، فقد طرحوا ما أسموه سياسة " صفر مشاكل" أي تسزية كافة المشاكل مع دول الجوار والنابعة من تاريخ بعيد أو قريب، طرحوا فكرة العثمانية الجديدة التي تنهض على ماضي عثماني مطلوب احياؤة، جوهر الفكرة عودة تركيا لقيادة العالم الإسلامي في طبعة عصرية جديدة من " الخلافة العثمانية".
قدمت حكومة أردوغان نفسها لآوروبا والعالم الغربي باعتبارها حكومة دولة علمانية، وأنها تطبق المعايير الأوروبية في الديمقراطية وحقوق الإنسان وأنها تقدم النموذج للدول عربية والاسلامية وتعمل على تحويل هذه البلدان إلى الديمقراطية تدريجيا وأنها تسعى إلى تقديم نموذج ديمقراطي يراعي حقوق الانسان وفق المعايير الدولية دون تصادم مع الإسلام.
وقدمت تركيا أردوغان نفسها للعالم العربي باعتبارها دولة إسلامية نجحت فب تحقيق المعالة الصعبة تي جعلتها تحقق نجاحا كبيرا على طريق التطور الشامل. طورت علاقاتها مع الدول العربية ، ألغت تأشيرة الدخول مع سوريا، إنفتحت على الخليج العربي وطورت العلاقات معه فباتت تركيا الشريك الاقتصادي المفضل في الخليج ومنحوا تركيا وشركاتها الأولوية في التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري ووصل حجم التبادل التجاري إلى ما يزيد عن ٢٠٠ مليار دولار سنويا، وحققت تركيا بذلك قفزات اقتصادية كبيرة مكنت أردوغان وحزبه من الفوز بثقة الناخب التركي لثلاث انتخابات متتالية.
اعتقد أردوغان أن زمانه و زمان الجماعة قد بدأ، دخل طرفا في الصفقة مع الإدراة الأمريكية، فبدأت عملية تدمير سوريا والسيطرة على ليبيا ، وتدعمت بتولي مرسي رئاسة مصر، وهنا تم الكشف عن الوجه " العثماني " الجديد، وعندما قوض الشعب المصري المشروع، هاج أردوغان وحزبه ولم يستمع إلى تحذيرات العرب والخليج، وقرر المضي قدما في تنفيذ المخطط والمشروع، فكان هجوم أردوغان على الشعب المصري وعلى ثورة مصر وقاد التيار المعادي لمصر شعبها وثورتها، حذرته دول مجلس التعاون الخليجي فلم يستمع، أكدت له مرارا بخطورة التوجه المعادي لمصر، فأصم أذنيه، وهنا بدأت دول مجلس التعاون الخليجي الرئيسية ( السعودية، الإمارات والكويت) في تقليص استثماراتها والتبادل التجاري مع تركيا، وتكشف النموذج التركي وتعرى بالكامل أمام المصريين، الشعوب العربية والعالم كله، سقط القناع عن النموذج التركي وتكشف الوجه القبيح للعثماني الجديد، وضاعت أحلام أردوغان في أن يكون الخليفة الجديد ومعه تلاشى الهيكل التنظيمي للجماعة وتشتت أعضائه وتفرقت قياداته.