■ وحسناً كان تشكيل لجنة «العشرة» ومن الخبراء وحدهم، لإجراء تعديلات دستورية، بعد تعطيل الدستور الكارثى 2012 الذى جمع أبواب الشياطين، وحسناً ما اتفق عليه العلماء والفقهاء فى علم اللغة والقانون، أن التعديل يشمل الحذف والإضافة والتغيير، ولا يتقيد بما ورد فى النصوص الدستورية المعطلة، خاصة أن هذا الدستور المعطل وبأرقام الإحصاء حظى بأقل نسبة موافقة.. وأكثر نسبة من الرافضين والممتنعين عن التصويت، ما لم تشهده الدساتير السابقة.. فضلاً عن استئثار تيار بعينه وجماعة بذاتها، مشكلة من لجنة باطلة وضعت نصوص الدستور فى ليل كالح، استمر حتى الفجر، فُرض على الإرادة الشعبية فرضاً، فكان طامة كبرى اغتالت إرادته، لهذا كانت لجنة العشرة مطالبة بالتعديل والحذف والإضافة، وتمتد مسؤوليتهم خارج نصوص الدستور المعطل!!
■ كذلك فإن تشكيل لجنة الخمسين ممثلة لجميع فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية وعلى الأخص الأحزاب والمثقفين والعمال والفلاحين والنقابات المهنية.. والشخصيات العامة.. فإن اختيارهم يجب أن يكون على أساس الكفاءة والخبرة الوطنية والاستقلال، مشاركة وليست مغالبة أولى وأهم من نسب التمثيل ذاتها.. حتى تجرى المناقشة لتطوير الأفكار والمبادئ على أساس الدراسات الموضوعية المسبقة والتفكير المتأنى فى مصالح الوطن، بعد تجربة قاسية، فإذا جرت المناقشة تملقاً للجماهير، أو اكتساباً لشعبية رخيصة أو تحقيقاً لأغراض وأهداف من يتولون السلطة فى ذات الوقت، فإن ذلك يعتبر - لا قدر الله - طامة كبرى، خاصة أنه لم يعد أمامناً ترف الوقت أو استمرار حقل التجارب، كما أننا لسنا فى مجال المغازلة أو دغدغة المشاعر على حساب مصلحة البلاد، لأننا فى حاجة إلى دستور جديد تتسع نصوصه الرحبة لمواجهة الحاضر المرير.. ويستشرف مستقبلاً أفضل تتقدم به مصر بخطى سريعة تعوض به ما فات، وهو ما أشار إليه منذ أكثر من ربع قرن من الزمان علماء وخبراء أكفاء وطنيون رحمهم الله.. وأمد الله فى عمر من بقى منهم شاهداً على الحاضر وعلى ما أصاب الحياة.
■ وبرغم أهمية ما يجب أن تتضمنه نصوص الدستور الجديد من قواعد وأحكام تخص الحقوق والحريات بصياغة دقيقة ومنهج علمى منضبط، وضمانات لحمايتها، درءاً لتوغل السلطة التشريعية أو التنفيذية على هذه الحقوق والحريات، ولضرورة تحقيق التوازن بين السلطات.. وضمان استقلالها، فى نطاق التعاون الجاد بين كل منها، وتحديد تلك السلطات، وضمان مساءلتها عند الإخلال أو التجاوز، فإن هناك ثلاث مسائل مهمة يتعين التنبيه إليها.. عند وضع النصوص الدستورية الجديدة..
وعند مناقشتها، أو طرحها للاستفتاء الشعبى. المسألة الأولى: الأحزاب والبرامج السياسية التزاماً بالتأكيد على مدنية الدولة.. وتعزيزا للديمقراطية وتأكيداً لدولة سيادة القانون، وهو الضمان الوحيد للحقوق والحريات، والأساس الوحيد لمشروعية السلطة وأساسها المواطنة، وتأكيداً لذلك كله يجب النص فى الدستور بوضوح وصراحة على مدنية الدولة، وعلى حظر تكوين الأحزاب السياسية على أساس دينى، ليكون أساسها المواطنة دون تفرقة، وأن تعتمد وفقط على برامج سياسية - وليست دينية - تنافس فيما بينها، وصولاً إلى الحكم بوسائل وأدوات تتفق مع طبيعتها، بعيدة عن العواطف أو الخداع والتزوير واغتيال إرادة المواطنين وإثارة الفتنة الطائفية فى البلاد..
وقد أكد لنا الإمام محمد عبده منذ قديم عن أول حزب دعا إليه أنه ليس حزباً دينياً.. ولكنه حزب سياسى.. وقديماً قالوا لنا عن السياسة إنها صناعة رديئة.. ولأن الدين لله.. والوطن للجميع.. فلابد أن يباعد الدستور بين الدين.. بقيمه العليا.. والسياسة بصناعتها وأساليبها.. وبرامجها الدنيوية.. وكفانا ما كان من أحزاب اتخذت من الدين ذراعاً سياسية جهاراً نهاراً.. أو حتى تلك الأحزاب التى اتخذته ذراعاً خفية من وراء حجاب!!