ما خيانة الوطن؟! وكيف يمكن تعريفها؟! وهل من الضرورى أن نفهم ماهية الخيانة؟! دعنا نجيب الأسئلة الثلاثة على نحو عكسى، فنبدأ بالسؤال الثالث عن ماهية الخيانة.. دون الدخول فى مصطلحات معقّدة، وتحليلات قضيت نصف عمرى فى دراستها، دعنا نطرح مثالين، من أكثر الألعاب الرياضية شعبية فى مصر.. كرة القدم.. فلو أن هناك لاعبا فى الفريق القومى، تدرّب مع فريقه، وحضر التدريبات الأساسية، ثم وجد أن الفريق سيواجه البرازيل مثلا، فلم يكتف بالانسحاب من الفريق، بل عقد مؤتمرا صحفيا، يتبرأ فيه من هذه المواجهة، ويعلن أنه ليس مسؤولا عنها، فأصاب فريقه بالإحباط، ورفع من معنويات لاعبى البرازيل، فى أدق لحظة.. فماذا تسمى هذا اللاعب؟! أليس بأنه خان الفريق؟! ربما كنت تراه لطيفا خفيفا على القلب، وربما أحرز أهدافا فى مباريات أخرى.. ولكنه، وعندما حانت لحظة المواجهة خان الفريق.. وتصوّر لاعبا آخر فى نفس الفريق، جاء فى أشد لحظات المواجهة، وعندما احتدمت المباراة، واشتبك مع مدرّب الفريق أمام الجماهير، واتهمة بالقسوة والغرور، وبأنه (كان) منذ عشر سنوات مدربا فاشلا.. هذا اللاعب أشد خيانة من الآخر، لأنه هاجم من يفترض أن يؤازرهم، وفى ذروة المباراة.. والمثل لمشجع الفريق، الذى يهاجم هدّاف الفريق وسط أهم مباريات الدورى، ويصرخ بهذا ليسمعه الجميع، وعندما يقول له أحد الحكماء إنه ليس الوقت المناسب، صرخ وهاج وماج، باعتبار أنه يمارس حرية تحاول قهرها، بغض النظر عن مبدأ لكل مقام مقال، ولكل زمن مضمار... دع هذا ينقلنا إلى إجابة السؤال الثانى، عن تعريف الخيانة.. والخيانة هى أن تعمل ضد وطنك، ولصالح عدوّك.. ليس على نحو مباشر فحسب، وإنما حتى على نحو غير مباشر، أو نحو أخرق.. فالعدو مثل الشيطان، لا يطالبك أبدا بخيانة وطنك، ولكنه يدفعك إلى هذا دفعا، عندما يزيّن لك الخيانة، فتبدو فى صورة وطنية.. مصر مثلا تواجه أكثر ما واجهته فى حياتها من حروب، عنفا وشراسة، ضد عدو يسعى لإساقطها، وليس فقط لهزيمتها.. وعندما ينسى البعض هذا، ويتعاملون معه برؤية محدودة، ومن خلال انفعالات تنقصها الخبرة، وتفتقر إليها المعلومات الكاملة، وتشوشر عليها مشاعر غضب وكراهية وغل، تدفعهم لمهاجمة من يدافع عنهم وعن الوطن، ومن يموت يضمن لهم البقاء، ليؤازر من يسعون لهدم الوطن، الذى هو وطنه ووطننا، هو خائن لهذا الوطن، حتى ولو وضع قائمة هائلة من المبادئ البرّاقة والعبارات الساخنة، والتبريرات المعسولة.. تماما كالذى يشتبك مع ابن عمه، لأن بينهما خلافا قديما، فى نفس اللحظة التى يقاتل فيه ابن عمه لمنع بعض الخارجين عن القانون، من الاستيلاء على البيت، الذى يأويهما معا، وعندما نقول له إن هذا ليس وقت الخلاف، بل وقت المؤازرة، أدخلك فى حديث سفسطفائى، حول الحقوق والواجبات والمبادئ، إلى أن ينتهى الأمر باستيلاء الخارجين عن القانون على المنزل، وانطلاقهم ينهبونه ويدمرونه، ويغتصبون زوجته وابنته وشقيقته وأمه، وهو ما زال يصرخ بأنه كان يدافع عن المبادئ! المجرمون واللصوص والهجامون، وحتى النشالون، فى أثناء حرب ٧٣ توقّفوا عن كل ما يفعلونه، لأنهم أدركوا بحسهم الوطنى الفطرى أنها ساعة الوطن، التى ينبغى أن يتآزر فيها الكل، من أجل العبور إلى النصر، ثم فلنتعاتب ونقتص ونعاقب ونغضب فى ما بعد.. كانوا أكثر وعيا وإدراكا وشرفا.. لم يخونوا وطنهم لحظة، عندما واجه الخطر.. وبعض المتعلمين، والذين يدّعون الفهم والمعرفة، لم تبلغ عقولهم، ولم ترتفع وطنيتهم إلى هذا القدر الفطرى.. وخانوا الوطن.. ودون حتى أن يدركوا هذا.. ترى أأكون قد أجبت عن السؤال الأوّل، يا من تجهلون ما الخيانة؟! إنه حديث لأولى الألباب.. والوطنية.
الخيانة..
مقالات -
نشر:
21/8/2013 2:32 ص
–
تحديث
21/8/2013 8:20 ص