تمر البلاد بلحظة دقيقة من تاريخها ينبغى التعامل معها بحزم لكن أيضا برشد وإنسانية. لن يسعد أحد بانهيار مؤسسات الدولة المصرية، كما لن يسعد أحد إن تحولت أراضيها لساحات للعنف والاقتتال. تتحمل جماعة الإخوان الجزء الأكبر من إثم التدهور الذى نشهده، فترويعهم الآمنين وخطاباتهم الطائفية لن تدفع أى عاقل للدفاع عنهم أو حتى التعاطف مع قضيتهم. ولكن رغم ذلك نؤكد أن الاعتماد على الحلول الأمنية وحدها فى مواجهة قضايا لها شقان أمنى وسياسى لن يبنى وطنا ديمقراطيا أو حتى آمنا، وذلك لأنها ستدفع بعدة نتائج سلبية، نذكر منها ما يلى:
أولا: الإجهاز على فكرة دولة القانون. صحيح أن النظام الإخوانى لم يحترمها فهو أول من قام بإصدار مشروع قانون للسيطرة على القضاء وحاصر المحكمة الدستورية العليا، إلا أنه طوال السنتين الماضيتين ظهرت أصوات كثيرة تنادى بها فاقتنعت قطاعات غير قليلة من المصريين بأهمية إعمال القانون كمدخل لتحقيق قيمة أساسية وهى العدل. اليوم نشهد انتهاكات واضحة تقوم بها الأجهزة الأمنية. المشكلة ليست فقط فى عدم وجود أى آلية للتحقيق القضائى بل بالأكثر فى تبرير الجميع لذلك بشكل ينسف مجرد فكرة احترام القانون، وبالتالى يصعب من إعماله أبداً. فإن غابت شمس العدل فستغيب عن الجميع.
ثانيا: ترسيخ منهج الأمن كبديل للسياسة والسياسيين. صحيح أن اللحظة الحالية فى حاجة إلى حزم أمنى إزاء هجمات مسلحة مرفوضة شكلا وموضوعا، لكن دعونا نذكر أن نظام مبارك الأمنى، الذى بدا للكثيرين اليوم أفضل من نظام مرسى الطائفى، قد عانى من مشكلة أساسية عجّلت أيضا بوفاته. فقد تم تحويل كل الملفات السياسية إلى ملفات أمنية يتولاها الأمن على غرار الملف العمالى، الملف الإخوانى، الملف الطائفى. فكان ضباط أمن الدولة مثلا هم من يتولون عملية الوساطة بين العمال المحتجين والحكومة، رغم أن هذا الدور ينبغى أن يلعبه السياسيون (الذين تم استبعادهم) أو النقابيون (الذين تم استقطابهم). ثالثا: صعوبة تغيير عقيدة الأجهزة الأمنية من جهة وراديكالية الإخوان من جهة أخرى. فقد حلمنا يوما ما بعقيدة أمنية تقوم على «أمن الإنسان» والمواطن، وليس فقط أمن الدولة والوطن، فهذا أمر مفروغ منه. حلمنا أيضا بأن نبنى وطنا يسعنا جميعا رغم اختلاف توجهاتنا. الدخول فى دوامة العنف سهل لكن الخروج منها صعب. القمع وحده لن يجدى ولا يجب أن يطال سوى من فى يده سلاح يهدد به الآمنين. لابد من ترك باب الحلول السياسية مفتوحا، فقد حول الإقصاء مئات من الشباب فى عهد مرسى إلى حاملى مولوتوف، ومن شأنه تحويل المعتدلين من أبناء الجماعة إلى إرهابيين.
حفظ الله مصر، ووفقنا جميعا لبناء وطن حر وجامع وإنسانى.