حكى لى أحد الأصدقاء عن الخطأ الذى وقع فيه بسماحه لابنه (6 سنوات) بمتابعة الأحداث عبر التليفزيون، فكانت النتيجة عند خروجهم فى أول مشوار أن طلب الابن أن يجلس فى حقيبة السيارة لأنه خائف مما يراه فى الشوارع.
انسَ كل ما نعيشه للحظات، انسَ الخناقة لأننا لن نصل فيها إلى نتيجة فى المستقبل القريب، فكل وجهة نظر مردود عليها ولا أحد معه الحق كاملا، فدعْكَ من الدوامة قليلا وفكِّر فى جيل قادم سيكبر على أرض غير مستوية، يملؤها الجميع الآن بالحُفر والمطبات ثم سرعان ما سيغادرها تاركا إياها خرابة، كيف سيتعايش الجيل القادم بعضه مع بعض؟
سيكون لديك عدة أنواع من الأطفال يكبرون خلال السنوات القادمة، من بينهم على سبيل المثال، طفل ينتمى إلى عائلة إسلامية سيكبر كارها الجيش والشرطة وعموم الشعب الذى شارك فى قتل والده، وطفل ينتمى إلى عائلة عسكرية سيكبر كارها معظم ما يمتّ بصلة إلى الإسلام والمتدينين لأنهم كانوا مفتاح فقدان أبيه أو شقيقه، وطفل تعرّض عبر الأحداث المتتالية لكرب الصدمة الذى عايشه بما يكفى على الشاشات أو فى حوارات الكبار أو فى الإقامة الجبرية داخل البيت أو فى هلع يراه فى حكايات أقرانه وما تنطوى عليه من مبالغات أسطورية أو بفقد جار أو قريب.
فلينشغل أهل السياسة بالسياسة وبصراعاتهم، لكن علينا نحن جميعا أن نتدارك هذه المأساة سريعا، لأن ما يتم نقشه فى أرواح أطفالنا الآن سيكون هو السمت الأساسى للمجتمع الذى يعيش فيه، وهذه كارثة لا ذنب لهم فيها، لأننا فى الغالب سنتجاهل كل ما تشرَّبوه خلال هذه الفترة وسنراهن على الوقت ليمحوَه، والوقت لا يعالج أى تشويه فى الأساسات بل إنه يعجّل انهيار بناء هشّ.
إحدى المدارس الخاصة فى مصر انتبهت إلى خطورة الأمر بعد الثورة، حيث كان بين طلابها أطفال استقرّ بآبائهم المقام فى سجون طرة، وتعرض الأطفال على يد بعض زملائهم لمضايقات بهذا الشأن، كان هذا هو تفسير الإدارة لانسحاب بعض هؤلاء الأطفال من الحياة العامة أو عدوانية بعضهم أو تدهور التحصيل العلمى عند الباقين، فما كان من إدارة المدرسة المحترمة إلا أنها عقدت مجلسا لأولياء الأمور شددت فيه على أن الأطفال لا ذنب لهم فى ما حدث وأصدرت قرارا بفصل أى طالب يسىء إلى طفلٍ والده محبوس، ويقال إن إدارة المدرسة مسحت بالآباء البلاط لأن ما قام به أبناؤهم من تحرش نفسى بزملائهم لم يكن ليتم لولا أن الآباء هم الذين زرعوا فيهم هذه الأفكار، ثم شرحت لهم الطريقة التى يجب تلقينها لأبنائهم للتعامل مع زملائهم، ونجح الأمر.
تطيح الصدمات بالأطفال بأسرع مما نتوقع، وتستقرّ الأفكار داخلهم فى بئر عميقة ما لم ننظفها أولا بأول ستتحول إلى مستودع قمامة تمرح فيه الفئران والثعابين، فى إحدى السنوات أيقنت الحكومة البريطانية أن القمح سيكون أزمتها الكبيرة فزرعوا فى أفكار الأطفال أن البطاطس هى المصدر الأهم للنشويات.. لم يتغير مستوى إنتاج القمح لكن ماتت الأزمة بعد أن أصبح هناك الآن جيل لم يعد يهتم بمسألة وجود الخبز فى طعامه.
كيف يمكن إبعاد أطفالنا عن مستنقع الكراهية أيا كانت مرجعية العائلة؟ وما الذى يجب أن نلقّنه لهم وما الذى يجب أن نحميهم منه وما الذى يجب أن نصححه أو نعالجه؟ أسئلة مهمة وفى الوقت نفسه صعبة جدا.. إذا كنا إحنا نفسنا مش فاهمين حاجة.
نسأل الله السلامة ونسأل المتخصصين أن لا يبخلوا علينا بعلمهم فى هذا الموضوع، والمساحة مفتوحة لمن يودّ أن يقدم لنا جملة مفيدة فى هذا الشأن.