«أفعى ابتلعت فيلاً دون أن تفكر كيف ستهضمه» هكذا كتبت بعد أن ظهر الأداء السيئ من الجماعة التى خطفت مصر، كان واضحاً من يومها الأول إلى الأخير فى الحكم أنها أنفقت الثمانين عاماً فى تمارين على القنص لا الإدارة.
والغريب أن تصر الأفعى والساخر الأمريكى الذى يعزف لها لترقص على وصف ما حدث فى ٣٠ يونيو بالانقلاب، بينما الانقلاب هو عقيدة الجماعة الراسخة التى حاولت ابتلاع ثورة ١٩٥٢ وثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وبينهما ابتلاع وتفجير العديد من النقابات وإفشالها، وابتلاع ثلاثة من الأحزاب وإفشالها تباعاً هى الأحرار والوفد والعمل!
من الواضح كذلك أن الجدل العقلى غير مجدٍ، لا مع الجماعة ولا مع أصحاب الخطط الخارجية، فسوء استغلال نيكسون لسلطته بواقعة التصنت تسببت فى عزله وهذه أقل جرائم الإخوان شأناً، ولا يمكن لأوباما ألا يكون ملماً بتاريخ المنصب الذى يتبوأه، لكنه يعمل لصالح بلاده وخططها.
ونحن عملنا لصالح بلادنا بقرار مصرى مائة بالمائة وهذه واقعة أولى لم تتكرر منذ قرار حرب أكتوبر، هذا يعنى أننا دون أن ندرى وبينما كنا نرتب بيتنا ونرمى الكراكيب أقدمنا على تحدٍ يفوق تحدى قرار التأميم، لأن قرار التأميم تم اتخاذه فى لحظة لم يكن الغرب فيها منفرداً بالعالم مثلما هو اليوم.
الخلاصة أن مصر رجعت من الخطف، ضغطنا على بطن الأفعى وخرج الفيل حياً ببعض كدمات الأسنان، ببعض آثار السم الذى تفرزه الأفعى بحركة لا إرادية منها. نحمد الله على سلامة قواتنا المسلحة، لكن المجتمع غير سليم ولا يمكن أن يبقى إلى أجل غير مسمى بغرفة العناية بالقوات المسلحة، فهذا خطر على الجيش وعلى المجتمع فى آن معاً، الأجدى والأسلم أن نخرج من غرفة العمليات وأن نعتبر حادث الابتلاع حدثاً من الماضى، وهذه ليست دعوة لنسيان وجود الأفعى والساحر، بل ألا تظل أفعالنا محكومة بوجودهما.
نبنى بلدنا لأنه بلدنا ونريد تحسين حياة مواطنيه، وبينما نفعل ذلك ستزداد الأفعى عزلة. لا الساعات الطويلة من الكلام المعاد ستقنع الأفعى، ولا الحديث عن دور الفكر أو التنوير سيجعلها تمتنع عن بث سمها لتخدر به ضحايا جدداً.
ما يحاصر الأفعى هو أن تصبح الحياة أجمل، وعلى الأقل محتملة، وعلينا أن نعمل من أجل هذا، ربما علينا أن نعمل دون شعارات كبيرة، فلا تهمل تجارب التاريخ إلا الخراف، أما نحن المصريين فلدينا ذاكرة ونعرف أن كل نهضاتنا أجهضت بتدخلات خارجية. محمد على تكاتف عليه الغرب وانحاز للعدو التركى، عرابى جاء فى إثره الاحتلال، وثورة ١٩١٩ تأسست بعدها جماعة الإخوان، والتكالب على مصر عبدالناصر تاريخ قريب ليس فى إعادته إفادة.
دولة حديثة عادلة هدف منطقى وعادل، قد لا يرضى الكثيرون فى الخارج، كما لن يرضى الأفعى التى لا تعرف المشاركة بل البلع المنفرد، لكن القاعدة العريضة من المصريين التى ستلتف حول دولتها العادلة ستكون الحماية والضمانة لاستمرار المشروع. هذه الحماية الشعبية لم تتوفر للتجارب السابقة عندما كانت الدولة تقرر وتعمل نيابة عن المجتمع.
الدولة العادلة المأمولة يمكنها أن تقوم على ثلاثة أثاف أو روافع، الأولى تشريعية قانونية طبقاً لخطة طريق الدستور والانتخابات. والثانية ثورة اقتصادية تسند هذه الإجراءات وتوفر لها الرضا والوعى المطلوبين، لم يعد هناك مجال للتلكؤ فى إطلاق يد الأموال الصغيرة فى المشروعات الإنتاجية، بحيث يكون المشروع الذى يقل رأسماله عن مبلغ معين بمجرد الإخطار. وأما الرافعة الثالثة فثورة إدارية جريئة ترشد العمالة وتربط الحد الأدنى بالأقصى، بحيث يتلقى الموظف والعامل ما يجعله راضياً عن عمله ويعفينا من الإهدار المخبول لساعات العمل الصورى، الذى يعاد مرة أخرى خارج إطار الدولة كما يجرى فى التعليم مثلا.
وفوق كل هذا يجب أن تكون الدولة حسيسة وعزيزة فلا تترك فقراءها لإحسان المحسنين، وأن تبدأ سريعاً فى استعادة أدوار الجمعيات الخيرية التى تضع الأفعى فيها بيضها.