اسمحوا لى باسترجاع عدد من الوقائع التى جرت يوم الخميس الماضى لنكتشف من محتواها وترتيبها ما يلى:
1 - الأبعاد الدولية للمعركة الجارية على أرض مصر بين الشعب الذى خرج فى 30 يونيو معترضاً على الحكم الاستبدادى الإخوانى ولقى دعماً من الجيش وبين العصابات المسلحة التابعة للإخوان.
2 - متطلبات التعبئة العامة لموارد الدولة البشرية والاقتصادية والطبيعية اللازمة لمواجهة قوى الإرهاب وتعويض الخسائر.
3 - حجم الدعم المطلوب مالياً لكسب المعركة من جانب أشقائنا فى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وسائر دول الجزيرة العربية.
والآن إلى الوقائع على النحو التالى:
1 - نشر موقع ديبكا المرتبط بالمخابرات الإسرائيلية تقريراً صباح الخميس- وهو اليوم التالى لفض الاعتصامين- يقول فيه إن الرئيس أوباما حاول الاتصال بالفريق أول عبدالفتاح السيسى يوم الأربعاء غير أن المسؤولين عن الاتصالات فى مصر اقترحوا على المسؤولين الأمريكيين أن تحول المكالمة إلى مكتب رئيس الجمهورية عدلى منصور، فرفض الأمريكيون. وذكر الموقع أن هدف المكالمة كان مطالبة السيسى بوقف عملية فض الاعتصام غير أن السيسى رفض المكالمة لعلمه بما سيقوله أوباما.
وربط الموقع المخابراتى بين هذه الواقعة وعملية بناء وتصعيد الضغط الدولى على مصر بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة تركيا، التى دعت إلى عقد جلسة لمجلس الأمن الدولى.
2 - ما إن انتهى الرئيس أوباما من إلقاء بيانه حول مصر عصر يوم الخميس بتوقيت الشرق الأوسط حتى أجمع المحللون الغربيون والإسرائيليون على أن الرسالة الجوهرية التى حملتها كلمة أوباما هى توجيه تحذير للسيسى وإظهار الدعم للإخوان المسلمين، وهو ما يعنى تشجيع الإخوان على مواصلة موجة العنف المسلح.
جاء بيان رئاسة الجمهورية المصرية بنفس الفهم للرسالة وكتب المحلل السياسى لصحيفة يديعوت أحرونوت تحليلاً بعنوان «كارت أصفر للسيسى ودعم للإسلاميين» قال فيه إن إلغاء المناورة مع الجيش المصرى يمكن أن يفسر لدى الإخوان المسلمين باعتباره تعبيراً أمريكياً عن دعمهم.
3 - بعد ساعات طلبت فرنسا وبريطانيا وأستراليا عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولى فانعقد فى خطوة تلوّح بتدويل المشكلة فى مصر، وليرسل إشارة بإجراءات تالية طبقاً لما تطلبه الولايات المتحدة.
نحن إذن فى مواجهة مع استراتيجية أوباما التى قررت أن تكون ثورات الربيع العربى فى مصر وتونس وليبيا وسوريا جسراً لوصول الإخوان وحلفائهم الإسلاميين إلى مقاعد السلطة فى الشرق الأوسط. إنها استراتيجية تقوم على تصور أن وصول هؤلاء إلى الحكم يحقق لأمريكا المصالح التالية:
1 - احتواء تنظيم القاعدة وسائر التنظيمات التى توجه عملياتها إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وبهذا تستغنى أمريكا عن حملاتها العسكرية المكلفة لمواجهة هذه التنظيمات وتتقى مخاطر عصفت بأمنها عام 2001.
2 - ضمان أمن إسرائيل من خلال التزام هؤلاء الإسلاميين بعملية السلام معها وإلزام أتباعهم بعدم التعرض المسلح لها.
3 - ضمان تدفق إمدادات النفط العربى فى حالة وصول الإخوان وحلفائهم والاستيلاء على الحكم فى دول الجزيرة العربية.
4 - التصدى النشط المؤسس على تعبئة سنية لإيران وأتباعها فى المنطقة، مع تفضيل أن يؤدى الأمر إلى إشعال حرب «سنية- شيعية» تستنزف موارد العرب والإيرانيين على حد سواء.
فى مقابل هذه المصالح التى تتصورها استراتيجية أوباما فإنه لا مانع من غض النظر عن الممارسات غير الديمقراطية التى يقوم بها الحكم الإخوانى، كما حدث فى مصر خلال العام الماضى، ذلك أنه يمكن تبرير المخالفات الجسيمة لمبادئ الحريات وحقوق الإنسان، بحجة أن هذا الحكم جاء عن طريق صندوق الانتخابات.
السؤال الآن: ما متطلبات التعبئة اللازمة لمواجهة موجة الإرهاب المدعومة من الغرب داخل مصر؟ طبعاً مطلوب أولاً زيادة أعداد قوات الجيش والشرطة وتعزيزها. ثم مطلوب ثانياً الإمداد بالسلاح حسب المواصفات التى تحددها قيادة الجيش والشرطة، مع توقع أن تقوم أمريكا فى وقت لاحق بوقف دعمها العسكرى لمصر، ثم مطلوب ثالثاً تكريس موارد البلاد الاقتصادية لهذه المعركة مع قوى الإرهاب المدعومة من الغرب، مع ملاحظة إمكانية انخفاض موارد الخزانة العامة من السياحة وغيرها، نتيجة الوضع الأمنى ونتيجة لتجنيد القوى البشرية المنتجة فى الجيش.
السؤال الأخير: ما حجم الدعم المطلوب من أشقائنا فى المملكة العربية السعودية والإمارات وسائر دول الجزيرة المهددة بنفس الخطر؟
والإجابة المحددة يعرفها الخبراء فى مصر وهذه الدول، ولكننى أعتقد أن التفكير سيكون بمئات مليارات الدولارات، وليس بعشراتها، وهو أمر لن يتقاعس عنه الأشقاء، مثلما فعلوا من قبل فى حرب أكتوبر 1973.