لو كنتُ من الإخوان لقطعت لسان صفوت حجازى ومحمد البلتاجى وتبرأت منهما الآن قبل غد، عقابا لهما على تصريحاتهما التى ربطا فيها بين الجماعة وبين هجمات سيناء، وتحويل مصر إلى سوريا أخرى. هل أبالغ؟ لا أبدا. هذا ما فعله الإخوان مع «شباب محمد» فى عهد الملك، ثم مع منفذى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، ثم مع سيد قطب، ثم مع «الجماعة الإسلامية» التى أنشؤوها بأنفسهم فى الجامعة. لقد قطعوا -معنويًّا- ألسنتهم وتبرؤوا منهم. ولكن بعد أن تسبب العنف -حتما- فى هزيمة الجماعة. الآن، لماذا أعتقد أن عنف الإخوان سيهزمهم كما هزمهم من قبل؟ إليك إجابتى.. الجماعات الجهادية فى العالم كله يتفق أفرادها فى خصلة واحدة، أنهم قطّعوا البطاقة واستبيعوا ولم يعد يهمهم ما يحدث لهم، وصولا إلى تفجير أنفسهم وترك الحياة نفسها. نصيحة من جهادى قديم: إن لم تنطبق عليك هذه الصفات فليس الإرهاب بالمهنة المناسبة لك ولا لجماعتك. لماذا؟ لأن اللحظة التى ستلجئين فيها إلى الإضرار بمصالح أهلية، وهذا جوهر الإرهاب، سيجد المتضررون ألف طريقة للرد عليك، وإيلامك، وأذيّتك. و -نعم- هزيمتك.
جماعة الإخوان لها قاعدتان شعبيتان أساسيتان، أولاهما الريف المستقر، وثانيتهما الطبقة الوسطى من موظفين ومن أصحاب مصالح تجارية. الشريحة العمرية لهؤلاء تضعهم عادة فى مصافّ العائلين، ذوى الأسر. وموطن تفوق السلطة على الإخوان هنا هى حيازتها لبياناتهم، لأماكن إقامتهم، لوظائف عدد غير قليل منهم، وللقدرة على تأليب جيرانهم ضدهم. الإخوان أنفسهم يدركون ذلك. ولذلك تنتشر بينهم ظاهرة «أنا مش إخوان بس باحترمهم». ما يحرم السلطة من استخدام موطن التفوق هذا هو غياب المبرر.. من حقك أن تستعجبى كيف أصف السلطة التى استطاعت أن تقتل كل هذه الأعداد فى أيام قليلة بأنها عاجزة عن إيجاد المبرر. وأقول لك إن ما حدث يثبت صحة كلامى، فى كل مرة قدم الإخوان مبررا، ولو بسيطا، للسلطة لكى تضرب، فإنها لم تتوانَ عن الإيلام، كما لم تعبأ بـ«تناسُب» رد الفعل والفعل كما يأمل الإخوان، وأصدقاؤهم، والمتعاطفون معهم، وذوو المصالح المشتركة، أو حتى الكارهون للسلطة من غير المتعاطفين. وما ذاك إلا لأن السلطة -على خلاف الشائع- تريدهم أن يغضبوا، تريد أن يخرج من الإخوان موتورون ينفّذون عمليات إرهابية تبيح للسلطة «اكتساحهم». وأن الضربات القوية جدا، عقب أى مبرر، هى فرصة السلطة الوحيدة لدفعهم إلى هذا. الجيوش لا تحب البقاء فى المدن، ولا لعب الطاولة على المقاهى. هذا مكلِّف جدا بالنسبة إليها. الجيوش تحب الحسم. بينما الإخوان والمتعاطفون معهم يريدون إطالة أمد المواجهة. فهذا يعزز عنصر تفوقهم.
الإخوان تفوقوا إعلاميا طالما ضبطوا الخارج إلى العالم عنهم. وقد استطاعوا هذا وهم فى اعتصام رابعة. التصريحات العنيفة المشجعة على الإرهاب كانت باللغة العربية، الوجه المقدم إلى الداخل، أما الخارج فقدموا له وجها بشوشا، مظلوما، مدافعا عن الديمقراطية. أخطأ الإخوان فى خطابهم الإعلامى الداخلى واستغلته السلطة، إنما بقيت فى حاجة إلى فعل إخوانى إرهابى شبيه يراه العالم، ويبرر قمعا حاسما.. بدأ هذا يحدث حين خرج الإخوان من كهف رابعة وارتكبوا خطأهم الرهيب الثانى، وأعنى بذلك أعلام القاعدة، الهجوم المسلح على أقسام الشرطة، الحرائق، المظاهر المسلحة أمام كاميرات العالم، وتخريب الكنائس. لقد كانت السلطة تتربص بهم وتنتظرهم، أى متابِعة للنقل التليفزيونى ستدرك ذلك، أن المظاهر المسلحة كانت قِبلة الكاميرات المخبأة، وصيدها الثمين.. أدرك الإخوان ذلك متأخرين، حين ورد ذكر الكنائس والمظاهر المسلحة فى الخطاب الرسمى الأمريكى، فسارعوا إلى نسبة حرق الكنائس إلى الجماعة الإسلامية، التى كان أحد زعمائها -عاصم عبد الماجد- شريكا أساسيا على المنصة. ما معنى هذا؟ معناه أن السلطة استدرجتهم إلى خسارة أولى فى موطن تفوقهم. استدرجتهم إلى ميدان لا يملكون التحكم فى كاميراته، إلى حرب إعلامية خاسرة، مما برر للسلطة ضربهم ضربة ثانية قوية وموجعة. ليست حاسمة رغم ذلك.
لماذا تضربهم السلطة ضربة موجعة، لماذا لا تمثل أمام العالم دور السلطة التى تضبط نفسها؟ لماذا تخاطر بإغضاب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى؟
لأن هذه الضربات الموجعة تزيد من احتمال أن يرتكب الإخوان خطأهم الكارثى الثالث والمنتظر. وأقصد به العمل الإرهابى داخل المدن. العمليات فى سيناء لم توفر هذا الغرض تماما لأنها بعيدة، يتلقاها العالم كخبر، ويفهمها كمواجهة مع السلطة. أما الهجوم على مدنيين، فى قلب الأماكن السكنية، فسوف يكون وبالا على الإخوان.
هل يدرك الإخوان ذلك؟ لا أعرف. إنما سواء أدركوا أم لم يدركوا فإن الحادثة الإرهابية ستأتى كما أتت من قبل. كمية الشحن النفسى التى شحنها الإخوان لقاعدتهم الأهلية، وتحالفهم مع جماعات إرهابية، وإصرار السلطة على إغضابهم، يجعل ذلك أمرا شبه مؤكد. وإلا انهارت معنويات قاعدتهم الشعبية. هذا ملخص تاريخ الجماعات الإسلامجية فى مصر. نراه معادا للمرة العاشرة.