ولو.. لقد انتهى الإخوان بلا رجعة، وما يفعلونه الآن ما هو إلا حلاوة روح. صرخة الموت الأخيرة. فقد ضُربت الجماعة فى القلب. وهم فى حالة ارتباك لما يلاقونه من ضربات موجعة فى الرأس والقلب أفقدتهم توازنهم. والآن عادوا إلى ما قبل 25 يناير.
كل قاداتها عادوا تحت الأرض لبحث مستقبلهم. وهم يعانون أشد المعاناة لافتقاد الاتصال الحر والمفتوح فى ما بينهم. حادثة المنصة يوم تاريخى فى عمر الجماعة. فهو اليوم الذى انتقلت القيادة من القطبيين إلى يد الإخوان الأمريكان.
وهم من جيل الوسط، جيل تربّى وترعرع فى أحضان الـ«سى آى إيه» والمخابرات الغربية. هؤلاء عزلوا بطريقتهم الناعمة كل صقور الجماعة من القطبيين وتولّوا هم القيادة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه فى عمر التنظيم. على رأس هؤلاء أسامة ياسين وباسم عودة وطارق وفيق والإخوة علِى -أيمن وإيهاب ومراد- وكانوا فى فريق الرئاسة، وكلهم تحت رعاية محمد علِى بشر.
يقومون بالاتصال بالأمريكان والدول الأوروبية التى أبدت بعض المرونة فى التعامل معهم. ويصدّرون جهاد الحداد للتعامل مع الإعلام الخارجى. تلك المجموعة كل هدفها خلق حالة من الفوضى، لكسب مزيد من الوقت للانسحاب بأقل الخسائر. وقد انفصلوا تمامًا عن القواعد فى اتخاذ القرارات. بل كل قواعد الإخوان يتلقّون الأوامر ويتركونهم للعمل السياسى وهم للعمل الجهادى. للاثنان طريق واحد، لكن الهدف مختلف. القيادة تحافظ على التنظيم والقواعد يرفضون تمامًا فكرة العودة إلى الماضى فى الملاحقة الأمنية واقتحام البيوت وترويع الأسر ودخول المعتقلات وإقصائهم من الحياة الطبيعية، ويرون أنه لا حل الآن ولا يمكن أن تعود الحياة لطبيعتها مع الدولة والمجتمع مرة أخرى بعد ما تعرّضوا له بعد عزل مرسى.
هذا ما يردده الشباب وهم فى حالة حنق كبيرة تجاه القيادات التى رأوها غير جديرة بحكم البلاد ووقعت فى أخطاء جسيمة كلّفت الجماعة الكثير خلال عام واحد فقط، وهم ينتظرون وقت الحساب وسيكون عسيرًا حسب قولهم، لكنهم يمرون بحالة متناقضة من الغضب والإحباط والحزن والندم. مشاعر تفتك بهم وتصل بهم إلى حالة العجز التام. منساقون. والقادة الجدد فى سباق محموم تجاه البيت الأبيض للضغط على الحكومة وعلى وزير الدفاع بالتحديد، لإحراجهم أمام الرأى العام الداخلى والخارجى. ويظنون أن الأمر هيّن وأن البيت الأبيض سيخضع لطلباتهم ويهللون عندما يسمعون عن توقف صفقة الـ«f16» أو إلغاء المناورات المشتركة -النجم الساطع- ما بين الجيش المصرى والأمريكى والتى تتم كل عامين فرديين، وهى لم تتم منذ أربعة أعوام، ويجهلون أن العلاقة ما بين الجيشين أكبر بكثير من أن تضحى بها الإدارة الأمريكية من أجل عيونهم. مَن يحكم أمريكا هو تحالف ثلاثة أطراف، وول استريت (حى المال والأعمال فى نيويورك) والـ«سى آى إيه» (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) والبنتاجون (قيادة القوات المسلحة الأمريكية)، ومصالح تلك الأطراف الثلاثة لا يمكن أبدًا أن تبتعد عن الجيش المصرى أو تخسره. بنظرة واحدة للمنطقة فى العالم العربى لا بد أن ننظر إلى تدمير الجيوش العربية العراق وسوريا وليبيا، وهى جيوش لا تعتمد على الأسلحة الأمريكية مطلقًا. بل مصدرها شرقى، روسى صينى فى المقام الأول. لكن جيشًا كبيرًا كالجيش المصرى كل أسلحته منذ اتفاقية كامب ديفيد من الولايات المتحدة، وهناك مصانع مفتوحة وماكينات تدور وأموال تدخل وتخرج وعمال ومصالح لا يمكن أبدًا أن يغلقوا تلك المصانع وتتوقف الماكينات الضخمة وتتوقف تلك الصفقات من أجل عيون الإخوان. أو من أجل الكلام الفاضى الذى يرددونه عن الشرعية، لو مسّت تلك المصالح لاشتعلت الدنيا على الإدارة الأمريكية وسقطت على الفور، تلك الشركات لا تعرف سوى لغة المصالح ومصلحتها الأولى والأخيرة فى المنطقة مع الجيش المصرى وليس سواه. لكن ما يتم الآن من ألعاب سياسية من أمريكا ودول أوروبا هو الخوف من القائد العام عبد الفتاح السيسى. تلك الشخصية عندما تظهر فى المنطقة، خصوصًا فى مصر تسبب لهم رعبًا وأرقًا وتوترًا كبيرًا. بل وتثير الخوف من استقلال القرار الوطنى، الرجل يتّخذ كل قراراته دون الخوف من ردود الفعل الخارجية. هو يعرف ومَن معه كيفية التعامل مع القوة الغربية. فهى لا تفهم ولا تتعامل إلا مع لغة القوة. القوى هو مَن يجلس أمامهم على مائدة المفاوضات.
القائد العام ومَن معه لا يتركون أى شىء للصدفة. وهو يجيد الظهور والتوارى، متى يتحدّث ومتى يصمت. وهم يعرفون لغة الوقت وخطورته ويتسلّحون بالعلم البعيد عن العشوائية والتخبط والضعف والتردد. يقدمون كثيرين للمحرقة ويضعون كل عدو أمام الشعب الأسد الهصور فيلتهمه. كما أنهم يجيدون لعبة تهيئة المناخ العام ليقوم عدوك بما تريد أن تفعله وهو لا يدرى. ويجيدون لعبة ترك حبل المشنقة لعدوهم حتى يشنق به نفسه. وهو ما يثير الذعر فى الدوائر الغربية. لأن القيادة هنا تعيد تشكيل المنطقة وأوقفت خططًا كبيرة وعظيمة كانت فى طريقها إلى التحقق والنجاح. لذلك الأمريكان يبحثون عن الثغرة المماثلة لحرب أكتوبر، لكن شارون مات منذ أسابيع ولا يوجد شارون آخر. كما أننا تعلّمنا الدرس. عليكم أن تطمئنوا. مصر الآن مستقلة وفى إيد أمينة. ولكى تزداد الطمأنينة تابعوا تحركات السعودية، لتعرفوا رضا الأمريكان الحقيقى.