قد يرى الإخوان وأنصارهم ومعهم قطاع محدود من الشعب المصرى أن الإخوان قد تعرضوا لظلم فى 3 يوليو، وأن إقصاءهم على السلطة تم نتيجة تدخل الجيش، حتى لو رفضهم قطاع واسع من الشعب المصرى.
إن شعور الإخوان بالغبن قد يدفعهم للاحتجاج والتظاهر، وقد يدفعهم للاعتصام، ورفض العملية السياسية، وقد يفتح الله عليهم، ولو لمرة واحدة فى تاريخهم، لمراجعة أخطائهم وتجربتهم الفاشلة منذ 85 عاما.
والحقيقة أنهم لم يكتفوا بذلك، إنما حولوا صوت الاحتجاج إلى إرهاب حقيقى، وترويع للمواطنين وميليشيات تجوب الشوارع، وتقوم باحتلال المساجد وحرق الكنائس والمنشآت العامة والخاصة، والتآمر على مصر دولة وشعبا.
الاحتجاج السياسى والسلمى كثيرا ما غير نظما سياسية، حتى دون أن يحكم، ففرنسا تغيرت قيمها وشكل نظامها السياسى، عقب ثورة الطلاب فى 68، دون أن يحكم الثوار بشكل مباشر، فالصوت الاحتجاجى يمكن أن يكون صوت ضمير وقوة ضغط يغيران فى قيم المجتمع وشكل نظامه السياسى، دون أن يكون فى السلطة، ويمكن أيضا أن يكون صوتا للتنفيس والصراخ، ولا يغير شيئا، ويمكن أن يكون عنصر تخريب وإرهاب، كما يفعل قادة الإخوان الآن.
والمؤكد أن قادة الجماعة اختاروا أن يكون احتجاجهم عبر الإرهاب وممارسة العنف وتكرار نفس الصوت الاحتجاجى الإرهابى الذى مارسته جماعات العنف الدينى فى السبعينيات والثمانينيات، وانتهت بفشل ذريع.
المؤسف أن الإخوان اختاروا الاحتجاج بالإرهاب، وهم بذلك قضوا على أى فرصة قريبة ليس فقط للاندماج فى العملية السياسية، إنما فى أن يقبلهم المجتمع مرة أخرى، ومارسوا انتحارا جماعيا بالممارسات المجرمة التى قامت بها بعض عناصرهم.
ماذا يعنى أن نرى مظاهرة فوق جسر الزمالك يقوم فيها عناصر جماعة الإخوان بإطلاق الرصاص على المارة والأهالى أسفل الكوبرى؟ وماذا يعنى اعتلاء عناصر إرهابية مئذنة مسجد الفتح وإطلاق النار على الشرطة والأهالى؟ وماذا تعنى كل هذه الأكاذيب المتدنية التى يروجها قادة الجماعة، وتحكى كل يوم روايات كاذبة عن مسار الأحداث التى تجرى فى مصر؟
إن صيغة الجماعة المهيمنة والمغلقة حين انتقلت إلى المجال السياسى أسست كيانا تابعا ومشوها اسمه «الحرية والعدالة»، وحين انتقلت إلى الرئاسة قدمت رئيسا فاشلا اسمه محمد مرسى، وحين انتقلت إلى إدارة الدولة قدمت أسوأ حكومة فى تاريخ مصر المعاصر، وحين عادت للمعارضة مارست عنفا وإرهابا.
والمؤكد أن الجماعة على مدار تاريخها الطويل لم تعترف بخطأ ارتكبته، فلم تعتذر عن جريمة اغتيال النقراشى ولا القاضى الخازندار، قبل ثورة يوليو، ولا عن محاولة بعض عناصر التنظيم الخاص اغتيال عبدالناصر فى 54، ولا عن التنظيم المسلح الذى قاده الراحل سيد قطب فى الستينيات، واعتبروا أن محاولة اغتيال عبدالناصر تمثيلية، وأن سيد قطب هو شهيد قتله النظام الديكتاتورى.
لقد عاشوا فى كذبة كبيرة غسلوا بها عقول شبابهم، ولم يروا أنفسهم إلا ضحايا للنظم السابقة، لأنهم أصحاب دعوة ربانية لا تخطئ، ونسوا أن صراعهم الآن هو من أجل السلطة وليس الدعوة، وأن توحد الشعب المصرى خلف الجيش والشرطة، (أى الدولة)، هو توحد حدث أثناء مقاومة احتلال أو غزوة خارجية، وهم مصرون على أن يلفظهم الشعب المصرى إلى الأبد.
إن الخلل فى صيغة الجماعة نفسها وفى بنيتها العقائدية والتنظيمية التى أنتجت فشلا فى الحكم والمعارضة، وإذا لم ير الإخوان أو بعضهم على الأقل هذه الحقيقة فإنهم متجهون إلى انتحار جماعى مؤكد.