هذا المقال هو محاولة للنظر أبعد من الأحداث اليومية، لأننا إذا نظرنا تحت أقدامنا فسيقع الوطن. إن الوطن يجب ألا يقع فريسة للنقل المباشر للحظة، لأن الاستراتيجيات تُبنى على أرضيات صلبة، وليس على الانطباعات بالرغم من أهميتها.
إن استحقاقات خارطة الطريق فى حاجة إلى إعادة النظر اليوم قبل الغد، خاصة فى ظل الأحداث الجارية، كما أن سرعة الحركة ومرونتها مطلوبة لتخفيض الاحتقان الداخلى، وهذا يعنى- فى رأيى- أن ديمقراطية الصناديق (الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية) ليست بالضرورة الحل الأمثل فى الوقت الحالى (ربما بعد 3- 5 سنوات)، ولأسأل إذا كنا نستطيع حقيقةً الوصول إلى دستور توافقى فى ظل الاستقطاب الحالى؟ وحتى إذا وصلنا إلى انتخابات برلمانية، فهل تستطيع الأحزاب الحالية إدارة حوار حقيقى حول شؤون الوطن بعيداً عن التشنج؟ وماذا يحدث إذا فاز التيار الإسلامى بنسبة مؤثرة من مقاعد البرلمان فى ظل تفتت الأحزاب الأخرى وضعفها؟ وماذا يحدث إذا تم تشكيل وزارة على رأسها ممثل من هذا التيار؟ وكيف ستكون علاقته بوزارة الدفاع؟ كل ذلك فى ظل وجود أحزاب ضعيفة تجاوزتها الجماهير، وأرضية سياسية مسطحة للغاية، وحجم فراغ غير مسبوق، وإذا أعطت الجماهير صوتها لحزب فغالباً لأنها ترفض البدائل الأخرى المطروحة على الساحة وليس اقتناعاً بمشروع هذا الحزب (معضلة انتخابات د. مرسى/ الفريق شفيق) لأنه حتى هذه اللحظة لا يوجد مشروع حقيقى لنقل مصر إلى الأمام.
وهل من الممكن أن نعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى؟ أرجو من القارئ أن يغمض عينيه لوهلة وينظر إلى الأحزاب حوله ويكوّن التشكيلة المثلى للبرلمان الجديد ثم يفتح عينيه، هل أنت متفائل؟ ثم أغمض عينيك مرة أخرى وتخيل كيف سيتفق هؤلاء على رئيس وزراء أو وزارة أو على سياسات الدولة.. ناهيك عن الاتفاق على قسم المجلس. افتح عينيك.. لقد قمت بذلك وأصبت باكتئاب.
البعض يرى أن الحل يكمن فى ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية، وهذه هى خواطرى فى هذا الشأن:
1- إن وجود سيادته على رأس المؤسسة العسكرية فى الفترة المقبلة قد يكون أهم للوطن من وجوده على رأس الدولة، لأن المؤسسة العسكرية ستبقى فاعلة فى الشأن السياسى لفترة 10 سنوات على الأقل حافظةً لفكرة ومدنية الدولة (هذا ما حدث فى تركيا لعقود طويلة)، إن المؤسسة العسكرية هى مصدر القوة.. وستبقى.
2- إذا خاض الانتخابات وفاز، وبصرف النظر عن الشكليات، فهل يمكن أن يقال إن الجيش يحكم؟ هل من الممكن أن يعرّض ذلك المؤسسة لمرمى النيران مثلما حدث خلال الفترة الانتقالية السابقة؟ وكيف سيتعامل مع رئيس وزراء لا يعينه ومجلس شعب مكون من أحزاب مختلفة؟ وماذا سيحدث إذا لم ينجح فى الانتخابات؟
3- إن الأوضاع العالمية والمحلية قد تكون مختلفة عن فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى حتى لو تشابهت الظروف والأشخاص!
4- إن التجربة الديمقراطية التى تمر بها مصر فى حاجة إلى «ضفاف» للنهر، تحمى وتصون هذه التجربة من الفيضانات والانحرافات، وهذا هو دور المؤسسة العسكرية.. ضفاف تحمى الوطن.. تحميه من تشابك المال السياسى ومجموعات المصالح مع الإعلام، من استخدام المساجد كنقاط «توزيع» للسياسة، ومن «فراغ» سياسى يجعل الأعلى صوتاً وظهوراً فى الإعلام مرجعية!
إن حماية «الضفاف» قد تكون أهم وأجدى من السباحة داخل النهر إذا جاز التعبير.
فما الحل إذن؟ منذ 4- 5 سنوات تم طرح فكرة مجلس رئاسى انتقالى فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، وذلك للتخلص من مشروع التوريث وتنظيم المرحلة الانتقالية وأُعيد طرحه:
1- أن يتم تأسيس مجلس رئاسى مُكون من 6 أشخاص مثلا بصلاحية رئيس الجمهورية، منها 4 شخصيات تمثل التيارات المختلفة بما فيها التيار الإسلامى، وعليها أكبر قدر ممكن من التوافق، بالإضافة إلى وزير الدفاع بصفته وتحدده المؤسسة العسكرية، ورئيس الوزراء بصفته، على أن يتم اختياره وتغييره من بقية الأعضاء.
2- أن يتم الاستفتاء على ذلك فوراً لأن عنصر الوقت أيضاً مهم.
3- أن يتم التصويت داخل المجلس الرئاسى بالأغلبية المطلقة، إلا فيما يتعلق بشؤون الجيش والدفاع يكون لوزير الدفاع حق الفيتو.
4- أن يكون ذلك لمرحلة انتقالية من 3- 5 سنوات يتم خلالها الوصول إلى دستور جديد، كما يكون لدعم وبناء الإطار المؤسسى للأحزاب أولوية قصوى بهدف الوصول فى نهاية المطاف إلى ديمقراطية «الصناديق»، وخلال هذه المرحلة الانتقالية يتم العمل بدستور 1971 وتعديلاته التى حظيت بموافقة 78% فى استفتاء مارس 2011، مع إضافة ما يلزم بسبب المجلس الرئاسى.
5- إن وجود مجلس رئاسى، حتى لو اختلف أعضاؤه داخلياً، سيتيح لرئيس الوزراء- بعد التصويت على خطة العمل بالأغلبية المطلقة- أن يعمل دون اجتذابات واحتقانات، والمضى سريعاً فى إصلاح اقتصادى وتشريعى نحن فى أشد الحاجة إليه. إن الوضع الاقتصادى كارثى، ولا يتحمل أيادى مرتعشة، كما أن الحلول- التى أتحدث عنها منذ أكثر من عامين- تحتاج إلى وزارة دائمة لا تستدرج إلى «مستنقع ائتلافات برلمانية».
خواطر وأسئلة قد تدعو للتفكير.. لأن ما سيخرج مصر من المحنة هو مشروع حقيقى لنقل مصر إلى الأمام، مشروع سياسى واقتصادى، وحتى نستطيع فتح العينين دون اكتئاب!