( أعرف أن المزاج العام هو سحق «الإخوان المسلمين» ومن السهل أن أقول نسحق «الإخوان المسلمين» .. ولكن هل هذا حل؟، «الإخوان» جزء وفصيل من الشعب المصرى، يجب أن أضمن له حقه فى الحرية والعيش والكرامة والإنسانية، حتى من الناحية البراغماتية هذا ليس حلا، فحتى تقمع أو تسحق أو تقصى فصيلا، معناه أن هذا الفصيل سينزل تحت الأرض وسيبدأ فى عمليات عنف لن تخرج منها الدولة، رأينا التجربة الجزائرية.. هناك حلول قصيرة لكنها ليست حلولا، مثل مسكنات يستفحل بعدها المرض، ليس هذا حلا، أتفهم غضب الشعب المصرى وأفهم أن الإعلام للأسف أسهم إلى حد كبير فى خلق حالة الغضب هذه وشيطنة الآخر، إنما أقول لا يمكن أن نشيطن فصيلا من الشعب لا هنا ولا فى أى بلد، الحل أننا محكوم علينا أن نعيش معاً وأن نجد وسيلة وصيغة لنعيش معا فى سلام اجتماعى، ولن يتحقق لك السلام الاجتماعى فى أى وقت فى عملية تقوم على إقصاء الآخر )
هذا ما قاله الدكتور محمد البرادعي قبل أيام عندما سئل عن رأيه في إمكانية فض الإعتصام بالقوة .. ومنذ تلك الإجابة ولم يدخر الإعلام الحكومي والخاص جهداً في تخوين الرجل وإتهامه بالعمالة والخيانة .. حتى وصل الأمر إلى أخونته في بعض المقالات في الصحف الحكومية .. وكل هذا السباب وهو يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في حالة لم ولن تتكرر في تاريخ الإعلام من نقد لشخص بهذا المنصب ومن قبله ومن بعده بهذه القيمة الكبرى في العالم.
( كان المأمول أن تفضي انتفاضة الشعب الكبرى في ٣٠ يونيو إلي وضع حد لهذه الأوضاع ووضع البلاد علي المسار الطبيعي نحو تحقيق مبادئ الثورة ، وهذا ما دعاني لقبول دعوة القوي الوطنية للمشاركة في الحكم ، إلا أن الأمور سارت في إتجاه مخالف فقد وصلنا إلي حالة من الاستقطاب أشد قسوة وحالة من الانقسام أكثر خطورة، وأصبح النسيج المجتمعي مهدد بالتمزق لأن العنف لا يولد إلا العنف .. وكما تعلمون فقد كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعي وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني، ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن - في رأيي - تجنبه - وقد أصبح من الصعب علي أن أستمر في حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطني خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها.. وللأسف فإن المستفيدين مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفا .. وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلي الله )
وتلك كانت العبارات التي كتبها في نص إستقالته بعد فض الإعتصام بالقوة .. ومنذ أن تم إعلان إستقالته التي تقدم بها «صباحاً» بعد بداية فض الإعتصام بساعاتٍ قليلة وفور أن فوجأ أن الإتفاق الذي جرى «بين الحكومة والجيش وبين قيادات من جماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى» بالفض «الصوري للإعتصام» كما ذكرت أمس وأول أمس أن الفض التمثيلي .. خرجت كل الأبواق تخون وتسب الرجل مرة أخرى وكأنهم فوجؤوا بموقفه من هذا الجُرم البشع وكأنهم كانوا يتوقعون أن الرجل الذي لم يغير مواقفه ولا مبادئه سيجبر على شيء .. تلك الإستقالة التي لم يعلق رئيس الجمهورية على الأسباب الواردة بها ولا عن أسباب قبوله لها .. كما لم يعلق على ما حدث في فض الإعتصام وكأن الأمر ليس جلل.
حتى وصل الأمر إلى أن نائب رئيس الوزراء الذي بلغ من العمر عتيا يقول في أحد البرامج التليفزيونية أن رئيس الوزراء إتصل هاتفياً أمامي بالدكتور البرادعي قبل عملية الفض بساعات وأخذ رأيه في فض الإعتصام، وافق البرادعي على الفور .. وكأن الدولة تدار بالهواتف المحمولة وأن قرار مصيري في تاريخ مصر لا يتطلب الإجتماع مسجل وموثق من خلال أجندة معدة مسبقاً.
السؤال للسيد نائب الوزير ورئيسه وحكومته:
إذا كان قرار فض الإعتصام متفق عليه من الجميع كما تدعي .. فلماذا لم تقم الدولة بحماية المنشآت العامة ومؤسسات الدولة ودور العبادة وأقسام الشرطة ولماذا لم تؤمنقوات الشرطة والجيش مداخل ومخارج العاصمة والمدن التي من المتوقع أن تحدث بها أعمال عنف كرد فعل لفض الإعتصام .. ولماذا لم يتم غلق كل الطرق المؤدية للإعتصام وأهمها كوبري «٦ أكتوبر» .. ولماذا لم يتم القبض على قيادات الجماعة الذين كانوا معتصمين في مسجد «رابعة العدوية» .. أم أنكم لم تتوقعون رد الفعل هذا على فض أكبر إعتصام في تاريخ مصر بالقوة ؟ .. أم أن كان مقرراً فض الإعتصام بطريقة صورية كاتفاق ما حدث مسبقاً ثم أعجبتكم قوتكم وكثرتكم وقررتم وأنتم في الميدان أن تنقلبوا على الإتفاق ؟ .. أم أننا أصبحنا في «دولة فاشلة» بكل ما تحمل الكلمة من معنى ؟
السؤال للدكتور محمد البرادعي:
أعلم تماماً أن من الصعب أن تبوح بما حدث في الكواليس .. حفاظاً على ما تبقى من دولة .. ومدرك تماماً لما تخاف منه وعليه والتي بدأت تظهر في الأفق وستستمر إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا .. لكن المصريون يريدون أن يعرفون منك بصفتك القارئ الأول للسياسة في مصر منذ أن كنت خارج السلطة وبالطبع بعد أن أصبحت بجانب رأسها قبل أن تستقيل - مصر إلى أين يا دكتور برادعي ؟