عندما أصدر داود أوغلو كتابه الشهير الذى حدد فيه استراتيجية تركيا تجاه الجيوغرافيا المحيطة محدداً الهدف «صفر مشاكل» [طبع 13 مرة فى الفترة 2001- 2004] كان قد كرس سياسة تركية جديدة تخيل معها أردوجان إمكانية تحقيق شبكة من الأهداف منها: تكريس محاولات تكرار الخلافة العثمانية بصورة حديثة تستجمع الحزام السنى المحيط بالمتوسط على الأقل استعداداً للتمدد للمجال الأسيوى. ومنها ضمان مجال للنفوذ الاستراتيجى عبر ممرات الملاحة فى المتوسط ومسار خطوط أنابيب الغاز والبترول والوجود فى مفاصل التحكم مثل قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، لكن هذا المخطط اصطدم بعده عقاب منها: اليونان فهى الأقرب إلى الاتحاد الأوروبى فى المنسوب الحضارى والدينى وهى التى تملك سواحل وجزرا تتحكم فى مفاصل الملاحة وأنابيب البترول والغاز بالمتوسط. وتمتلك وفق توقعات غرب احتياطى غاز يصل إلى تريليون قدم مكعب وبتمويل غربى يمكن لليونان أن تنهض خلال 10 سنوات فتصبح طرفاً عنيداً. وقبرص والقسم اليونانى فيها معاند وهى تتمتع بموقع جغرافى فريد فهى المنتصف تماماً بين شمال المتوسط وجنوبه وشرقه وغربه فتصبح وثيقة الصلة بمفاتيح المواصلات البحرية وأنابيب البترول والكابلات، وهى أيضاً موعودة برصيد هائل من الغاز وتمتلك عناداً بسبب قبرص التركية. وسوريا كانت دوماً رصيداً قريب المنال، لكنه معاند، وقبل ثلاث سنوات قال أوغلو إن العلاقة بها تشبه تمرينات المصارعة بين وزنى الثقيل والخفيف. وروسيا بتطلعاتها لمياه المتوسط وغازه وقاعدتها البحرية فى اللاذقية. ومصر.. كانت تمثل بالنسبة للأردوجانية عبئاً فهى الدولة الأهم وهى الأزهر ولا إمبراطورية عثمانية بدونها ومع الحكم الإخوانى تجددت المطامع فأجبرت على التخلى عن علاقات كانت حميمة مع اليونان وعن اتفاقية لتحديد حصص الغاز فى مياه المتوسط مع قبرص، وتراكمت العلاقات التجارية المشبوهة بين تركيا والإخوان. واقترب حلم أردوجان من التحقق. إمبراطورية عثمانية ونفوذ متوسطى وتحكم فى مفاصل المواصلات وأنابيب الغاز والبترول.
ولكن 30 يونيو المصرى بدد أوهام أردوجان العثمانى فمصر غير الإخوانية ستستعيد علاقاتها اليونانية والقبرصية التاريخية ومن منطلق تشعله تصرفات أردوجان العدائية. وتتبدد أحلام أردوجان فى سوريا عبر تصرفات غشيمة ربما كانت بأوامر قطرية، فالأحباء الإخوان هناك يتوارون وتنشأ إمارات صغيرة يتحكم فيها إرهابيون متشددون كفروا خروج المرأة غير المحتشمة وحرموا أكل الكرواسون لأن شكله يعطى إيحاءات جنسية، فيكون هذا الجنون عنصر إدانة من جانب الأتراك العقلاء للأردوجانية الطائشة. وحماس الطفلة المدللة تتجه نحو إيران وحكم الغنوشى يرتجف والحليف السودانى يوشك على الانتهاء والمعارضة التركية تنهض لتضعه فى مأزق.
وهكذا فإن حلم داود أوغلو لم يلبث وتحت التصرفات البلهاء لأردوجان أن ينقلب وبدلاً من «صفر مشاكل» يصبح «صفر هدوء» فقد كان 30 يونيو علامة فارقة، فالشعب المصرى مفرط الذكاء أدرك أن مرسى لا شىء. وأن تحالفاته العثمانلية هى تحالفات ملوثة بالمصالح الشخصية والفساد والإفساد وأن شركاءه فى التأسلم من الغنوشى والبشير وحتى أردوجان إلى زوال.
ولهذا فإنه إذا كان المعتاد أن يهتف المعارضون يسقط الحاكم فإن الشعب المصرى العظيم هتف يسقط الحكم.. يسقط حكم المرشد- الإخوان ملهومش أمان- الإخوان خرفان. فسقط الهيكل المتأسلم من أساسه. وإذا كان الإخوان قد تعرضوا لمحن كثيرة بسبب اكتشاف الحكام لجرائمهم فهذه المرة تكون أشد مرارة، فالهجوم يأتى من الشعب كله. وهم مع ذلك يعجزون عن فهم الحقيقة، فالغباء المتأسلم يصور لهم خيالات مريضة ومنها أن الملائكة ستهبط لتدافع عنهم ناسين الحديث الشريف الذى ينطبق على جميعهم فى مصر وتركيا وتونس والسودان وهو «لا يؤم رجل أناساً هم له كارهون. ويتميز أردوجان بمزيد من الكراهية إذ أحاط نفسه بسوء سياساته بحزام من الكراهية سواء فى امتداد الشرق الأوسط أو الخليج أو المتوسط. إنه فعلاً «صفر ذكاء».